«يتبربر بالحرارة»
لا تثيرني قضايا الإثارة السياسية مطلقاً، تلك القصص ذات الحس النميمي والتي تطفح بين فينة وأخرى على سطح حياتنا لا أتتبعها ولا أحاول معرفة أي تفصيل من تفاصيلها السمجة، إلى أن يأتي اليوم، وهو قادم لا محالة، الذي تحظر فيه الحكومة تداول الموضوع، تلفت الحكومة نظري، تحرضني على “الدعبسة” و”النم”، تزين الموضوع في رأسي وتقسرني على تتبعه. إلا أن نفسي ليس طويلاً، فسرعان ما يصيبني الملل حد الموت و”تموع” نفسي برائحة “السالفة” الخانقة، كتلك التي لبيضة مسلوقة فات وقت صلاحيتها. سرعان ما أنهزم وأترك الأمر برمته، وأستدير بحثاً عن خبر آخر أنظف به أنفي.
ولقد قضيت نهاية الأسبوع الماضي كله أحاول أن “أستدير”، أن أجد خبراً يزيل رائحة البيض الفاسد التي ملأت أنفي إثر اهتمامي بما لا يستحق الاهتمام، ولأن المنحوس “يلقى العظم في الكبدة”، أرسل لي أحد الأصدقاء رابطاً لجريدة لا أحب حتى أن آتي على ذكرها ينشر تصريحات للجهاز المركزي يقول فيها: “إن العدد الإجمالي للمقيمين بصورة غير قانونية خلال عام 2013 وصل ما يقارب 111.366 فرداً، وأضاف أنه في ظل وجود هذا الكم والنوع من المقيمين بصورة غير قانونية بما يشمل جنسيات متعددة، قد يصعب معه تحقيق الانصهار والاندماج التكاملي المتفاعل لكل هذه الأعداد في المجتمع الكويتي على النحو المأمول مشيراً إلى أن هذا الأمر قد يشكل خطراً على الهوية الوطنية وتهديداً لمقوماتها وثوابتها”، مؤكداً أن “هذه الفئة” مقسمة إلى ثلاث مجموعات أفضلها حالاً هي التي “يمكن النظر في تجنيسهم”. وأعجبتني جداً جملة “أن توظيف المقيمين بصورة غير قانونية بالقطاع الحكومي يكون بالتنسيق مع ديوان الخدمة المدنية”، وما تبعها من أنه “تم رفع ثلاثة كشوف بأسماء الأمهات الكويتيات المطلقات والأرامل وأبنائهم من فئة المقيمين بصورة غير قانونية الى مجلس الوزراء شملت (141) اسماً”، وأن عدد “الأفراد الذين قاموا بتعديل أوضاعهم لغاية مارس 2014 ما يقارب 5938 فرداً. وأشار إلى أن هذا الأمر يدل على أن هناك الكثير من المدعين بأنهم من المقيمين بصورة غير قانونية يمتلكون جوازات سفر لبلدانهم الأصلية”.
ليس موضوعي الآن مناقشة المغالطات الفاضحة والتعليقات العنصرية العميقة في التصريح أعلاه، فتلك أصبحت من عاداتنا وتقاليدنا، لكنني أود أن أشير إلى نقطة سبق لي أن ذكرتها في أكثر من مقال ألا وهي وجود حاجة ملحة لدى الجهات الحكومية بمختلف أطرافها إلى خبراء إعلاميين يساعدونها في التصريحات التي ابتلاها الله بإطلاقها، خصوصاً الجهاز المركزي الذي لربما يحتاج إلى خبراء من الخارج بصراحة. يستميت الجهاز لتثبيت مسمى “مقيمين بصورة غير قانونية” بشكل صار يبدو هوساً، ولأن الاسم يناقض نفسه، فكل ما يبنى عليه يبدو بعدها هزيلاً ومضحكاً. يعطي الجهاز عددا إجمالياً 111.366 “للمقيمين بصورة غير قانونية” والذين تصدر لهم الدولة بطاقات أمنية (إحم)، ثم يقول التصريح إنه في ظل وجود هذا الكم والنوع (نوع؟ أي نوع؟ صلب وسائل وغاز مثلاً؟) يصعب تحقيق الانصهار والاندماج التكاملي المتفاعل. إذاً التصريح يشمل كل العدد، كلهم لا “ينصهرون”، ولا “يتكاملون بتفاعل” (فيزيا عويصة)، طيب وماذا عن مستحقي الجنسية؟ غير قابلين للانصهار كذلك؟ ماذا نفعل معهم، وهم لربما كويتيون محرومون من هويتهم؟ نحطهم في الفريزر؟ ثم نأتي لفئات البدون، والتي أفضلها “ممكن النظر بتجنيسهم”، يا خبر أسود، لا توجد فئة مستحقة وخالصة؟ ولا حتى بين أبناء الشهداء والأسرى ومن كانوا في موكب الأمير الراحل الشيح جابر الأحمد؟ أربعون سنة دراسة وتمحيص و”تفحيص” وما زال النظر مستمراً؟ ليس هناك مجموعة تم البت في أمرها؟ ثم هؤلاء، الذين لا ينصهرون ولا يتكاملون ولا يتفاعلون، ويشكلون خطراً على الهوية وليس بينهم أحد ثابت استحقاقه للجنسية وتسمونهم “مقيمون بصورة غير قانونية”، حضراتكم توظفونهم في القطاع الحكومي بالتعاون مع جهاز الخدمة المدنية؟ غير قانوني وفيه “عبر” الدنيا كلها التي ذكرتموها وتوظفونه في الحكومة؟ “منين يودي على فين؟”.
ويكتمل التصريح، بفخر الصناعة الكويتية، وأضخم إنتاج حكومي لهذا العام: تقديم كشوف بأسماء أبناء الكويتيات، على أساس أن هذا إنجاز، والمصيبة أن التصريح وبكل فخر يؤكد أن هؤلاء الكويتيات مطلقات وأرامل، لأن من تحتفظ بزوجها أو يبتليها الله ببقائه على قيد الحياة “حامض على بوزها” جنسية لأبنائها. وأخيراً، الخبر الكرزة على بوز الآيس كريم: عدد معدلي أوضاعهم هو 5938، وهو رقم يطلع وينزل مع البورصة، لكن “ما علينا ما راح نختلف على الرقم خصوصاً أن إحنا الكويتيين كلنا منصهرين بالصلاة على النبي”. لكن السؤال، كم عدد من اضطر، وبتشجيع مباشر أو غير مباشر من الجهاز المركزي، لشراء جواز مزور لتدرجوه حضراتكم ضمن معدلي الأوضاع؟ وإذا هذا دليل عدم انتماء كما تقولون، وهؤلاء الإخوة عدلوا أوضاعهم، ماذا سيحدث الآن، سترحلونهم أم يبقون بيننا وهم “معدلين”؟ كم عدد من حصلوا على جنسيات مختلفة بعد هجرتهم أو تهجيرهم؟ وهل هؤلاء يدخلون ضمن إحصاءات المعدلين؟
التصريحات الحكومية، تصب الماء صباً في حفرة من طين، فتزيد العكارة وتعمق الحفرة حتى تغوص كل يد تحاول الوصول إلى قرارها، ما فيها عيب يا إخوة، كل الحكومات تكذب وتفسد وتضطهد، عادي، لكن ليس كل الحكومات تصرح هكذا دون “زواق”. نحتاج “شوية” خبراء ومعهم ارفعوا شعار “أنا لا أكذب لكنني أتجمل”.