زيتونات
موقف الكويت المشرف والمستحق والذي يفترض أنه لا يستدعي مديحاً، الذي يفترض أنه الموقف السائد والطبيعي لكل الدول العربية بل ولكل دول العالم التي ترعى الحد الأدنى من حقوق الإنسان، هذا الموقف بمقدار ما أثلج منا الصدور، بمقدار ما أحرقها على سلبية بعض الدول، وبمقدار ما أرعبها بسبب سياسة الغاب التي لم تستطع آلاف السنوات من الحضارات الإنسانية المختلفة القضاء عليها.
إن مشروع قرار حماية الفلسطينيين في الأراضي المحتلة لا يفترض فيه أن يكون مشروعاً يتطلب تصويتاً أو يحتمل نقاشاً، فما كان تشكّل الأمم المتحدة سوى من أجل هذا الغرض، من أجل حماية الدولة الصغيرة من الكبيرة، والضعيفة من القوية، من أجل مراقبة العلاقات الدولية وعدم السماح لمنطق القوة أن يحكم عالمنا الصغير. كيف يستمر إحتلال مسلح في القرن الواحد والعشرين وتحت مرأى المبادئ الإنسانية ومسمع مفاهيم إحترام الحقوق وحماية الإنسان؟ ما يحدث في فلسطين هو عار على البشرية كلها، وما حدث في الأمم المتحدة من رد لمشروع إنساني حقوقي بحت، مشروع غير سياسي، لا يهدف حتى لإنهاء إحتلال أو إعادة حق، مشروع «أضعف الإيمان» لحماية أصحاب أرض من أعمال عنف وإبادة وتطهير عرقي، ما حدث هذا هو عار على تاريخ الحضارات الإنسانية، على ما ندّعيه من تطور الفكر والمنطق، بل وحتى على ما نشهده من تطور بشري بيولوجي. كيف تقبل الضمائر؟ كيف يختفي الخجل؟ كيف تتفرس الوقاحة في وجوه الحضور بهذه الصورة وترفع يدها بأداة الفيتو لتحرم نساءً وأطفالاً وكبار سن وشباباً وشابات وأطباء ومسعفين الحماية من إطلاق النيران العشوائي، من التطهير العرقي الواضح والوقح والشرس الذي يحدث كل يوم على مرأى ومسمع من العالم بأكمله على أرض فلسطين المحتلة؟
أفتخر أنا اليوم بموقف الكويت، وأحزن على تفردها به. مشروع حماية الفلسطينيين كان يجب أن يقدم عالمياً، شرق أوسطياً على أقل تقدير، كان يجب أن يكون صرخة جمعية لا مشروعاً منفرداً يرده فيتو قميء. مشروع حماية الفلسطينيين هو خطوة للخلف في الواقع، كنا سابقاً نقول بمشروع إنهاء الإحتلال ومشروع العودة ومشروع الإنتصار، كنا نحلم بالدخول الآمن للقدس وبالتجول الحر في مزارع زيتونها. اليوم، هبط مؤشر تطلعاتنا، وأصبحت غاية الأماني هي حماية طفل من رصاص قناصة، وحتى هذه الأمنية الغريزية الطبيعية رُدت إلى نحورنا لتجاور خيباتنا الكثيرة، يا للعار على البشرية بأكملها.
نحن نعيش أياماً سوداً، إستدار فيها الكثير من الظهور للقضية، نسيت الذاكرات ورقدت الضمائر في سبات عميق. كيف ومتى حدث هذا؟ وكيف تبدل الأيام والظروف والمصالح غريزتنا الإنسانية الدافعة بنا لحماية نوعنا الإنساني، للدفاع عن طفل تُصوّب الى رأسه فوهة مسدس، لرفض الإبادة التي نعلم كلنا، بالمنطق، بشواهد التاريخ، بتجاربنا الشخصية، أن سكوتنا عليها سيُلحقها بنا ويُلحقنا بمن سكتنا عن حقه ورضينا بظلمه؟ إن طغياناً يكبر بهذا الشكل، عته يستشري، وقاحة تتباهى، مصالح تتقيئ على كل ما هو إنساني وطبيعي وأخلاقي لا يمكن أن يكون نتاجها طيباً أو حتى محايداً لأي طرف من الأطراف. إذا ما لم يوقف العالم الوحش الصهيوني وحمايته الأمريكية القبيحة الوقحة، فإن الأذى الناتج لن ينتقي هذا دون ذاك والخراب الواقع لن يصوب على هذه المنطقة دون تلك، كل البشرية ستدفع الثمن، كل البشرية ستعاني وتتعذب، ومن لا يستطيع أن يرى ترابط المصائر البشرية وسريان نتائج العنف والإبادات على العالم بأكمله، من لا يتحرك ولا يحرك ساكناً لأنه بعيد، لأن أولاده ينامون آمنين في فراشهم كل ليلة، لأنهم يذهبون إلى مدارسهم من دون أن يعبروا حدوداً ويرصدوا قناصة ويسمعوا دوي الإنفجارات، لأن حركته حرة وأمنه مضمون وليله هادئ، لأن بيته له لا يقتحمه مغتصب ليطرده منه، من لا يتحرك ولا يحرك ساكناً لأنه يعتقد أن البعيد عن العين بعيد عن الواقع فهو كما المجرم إن لم يكن أشد فتنة وعدواناً. يا للعار.