تحميل إغلاق

كلنا في الهم مرمون

كلنا في الهم مرمون

انتهيت قبل أيام من مشاهدة المسلسل الوثائقي Keep Sweet: Pray and Obey والذي يوثق لتاريخ فئة من المرمونية التابعة لكنيسة FLDS ومصير نبيها، وارن جيفز، الرابض خلف القضبان حاليا في تكساس بتهمة الاعتداء الجنسي على طفلات، إحداهن كانت بعمر 12 عاما.

تقوم حلقات المسلسل على مقابلات مع ناجين وناجيات من هذه الكنيسة والذين تمكنوا من الهروب من المنطقة التي كان يعيش فيها هؤلاء ليقوموا بالإدلاء بشهاداتهم التي أودت بجيفز إلى الحكم بالسجن مدى الحياة.

أهم الشهادات أتت من النساء، وبالأخص إحداهن التي كانت قاصرا وقت تم تزويجها عنوة، لتتكشف بعد ذلك المزيد من الأدلة، منها سجلات مكتوبة بكل الزواجات المخالفة للقوانين الأمريكية، ومنها تسجيلات صوتية عدة لجيف أحدها توثق حادثة اغتصاب الصغيرة ذات الـ12 عاما. المسلسل بكل دقائقه مروع بحق، كل لحظة فيه تُظهر الثمن الذي تدفعه تحديدا النساء للتفسيرات والتحليلات الدينية لرجال حوروا النصوص فهماً وتفسيراً وتشريعاً لتخدم غاياتهم وشهواتهم المريضة.

المستغرب هو تضخم هذه الفظاعة بدافع من الموقع الجغرافي، أن يحدث ذلك في أميركا هو ما يجعل الأمر مستغربا وإجراميا. إلا أن هذه الأحداث تقع كل يوم وفي أنحاء العالم، وتحديداً في شرقنا الأوسط وتحت مظلة التفسيرات الدينية التي تبيح، إن لم تشجع، ذات الممارسات الانتهاكية تجاه النساء. لماذا يبدو الوضع طبيعياً ومقبولا عندنا ومستهجنا مَرضيا في الغرب؟ لماذا تبدو جماعة المرمون أقرب للعصابة الدينية خصوصا بسبب من عيشهم في محيط تعديدي للزوجات وبسبب من أساليبهم الترويضية للنساء التي تذكر فعليا بممارسات مسلسل The Handmaid’s Tale في حين أننا نتقبل هذا التعديد وهذه الممارسات الإرضاخية عندنا وكأنها وضع طبيعي اجتماعي يدخل في باب الخصوصية الثقافية؟

تعديد الزوجات، ثم تعديد المستمتع بهن تحت مسميات المتعة والعرفي وغيرها من “الزواجات،” وتزويج الطفلات “طالما كانت تطيق” وصولا إلى الاستمتاع حتى بالوليدة، واغتصاب الزوجات تحت مسمى الحق الشرعي، والاعتداء البدني تحت مسمى التأديب بالضرب “شرط ألا يترك أثر”، والأمر بالطاعة التي “تُدخل المرأة الجنة” وتمكن الولي من تزويج البكر دون إرادتها، وامتلاك الزوج لزوجته بحق الطلاق الذي ينحصر في شخصه وحده، والمرأة التي تشهد نصف شهادة وترث نصف إرث وتحتضن إلى أن تتزوج فيُأخذ منها أطفالها عنوة، وتغطية أجساد النساء و”ستر” حتى أصواتهن فيما الرجال ينطلقون أحراراً بأجساد تستمع بالحياة وأصوات تتردد فيها، كل ذلك وأكثر، ما الذي يفرق مجتمعاتنا فعلياً عن مجتمعات المرمون؟

أسائل نفسي، لماذا شعوري هذا بالغثيان من أحداث المسلسل الوثائقي وأنا أعيش في منطقة مغمورة بهذه الثقافة وهذه السلوكيات وهذه الأنماط المعيشية التي تحدد واجب المرأة، فعلياً كما يفعل المرمون، في خدمة وطاعة الرجل اشتمالاً على قبول تعديده للزوجات كحق ديني له وواجب شرعي عليها، بل ورضوخاً لنظام تأديبي يشمل الهجر والضرب؟

أنظر لنساء المرمون على الشاشة وقد ارتدين جميعاً ذات الفستان الموحد الذي قد تختلف ألوانه بين الزهري والأزرق والأخضر، فلا تبدين مختلفات كثيرا عن الأفغانيات مثلاً اللواتي يتطابقن تناسخاً في المظهر، وكأنها محاولة لتغييب الهوية في توحيد الشكل الخارجي، لتمييع كل النساء، كل تميز لهن، كل اختلاف شخصي وشكلي بينهن، لربما اتقاء لفكرة بروزهن ومعرفتهن. كل الأديان تقريبا فيها قراءة ذكورية توحد المظهر النسائي، ولربما الرجالي كذلك وإن كان بدرجة أقل، إن كانت المسيحية بملبس راهباتها، إن كانت اليهودية بغطاء نسائها، إن كان الإسلام بقواعد المظهر لنسائه، كلها قراءات تسعى لجعل النساء صور مكررة من بعضهن البعض، بلا تميز ولا انفراد ولا ظهور طبعاً سوى للمالك الأول والأخيرة لهذا الجسد وتلك الروح.

أحترم بكل تأكيد اختيارات النساء في الالتزام بأي مظهر يخترنه، حتى ولو كان قمعيا في مفهوم الآخرين، فحرية الاختيار هي الهدف أخيرا، وإن كانت الخدعة الكبرى أولاً وآخراً، ذلك ألا أحد منا، كلنا السبعة مليار بشر على سطح الأرض، حر فعلا في اختياراته أو خالياً حقيقة من برمجة مجتمعية تحكمه بمظهره وسلوكياته. إلا أن مجتمعات “الأخ الأكبر” كمجتمع المرمون أو كمجتمع أفغانستان وغيرها من المجتمعات العصابية الدينية الكثيرة المنتشرة حول العالم والتي تقسر النساء تحديداً على مظهر موحد جمعي لا حياد عنه ولا خيار فيه، تلك تتعدى حد البرمجة الثقافية المتوقعة لتصل إلى حد عصابية ذكورية تأكل الأخضر من حياة النساء واليابس منها.

لربما نحن لا نعيش ذات القسر المظهري للمجتمع المرموني، إلا أن الظروف المجتمعية التي تعيشها نساء المجتمعات الإسلامية، من بين مجتمعات كثيرة أخرى، تتشابه كثيرا من حيث التعديد النسائي وأوامر الطاعة وانتهاكات الطفولة واغتصاب الزوجات، أمثلة لا حصرا، مع المجتمع المرموني المرعب. لأننا بالداخل، نحن لا نستشعر غرابة وفظاعة الكثير من الظروف النسائية في مجتمعاتنا. إذا نظرنا من الخارج سنبدو بذات الصورة الغريبة المرعبة لجماعة يقودها رجال دين يفسرون ويشرعون، معينين الرجال أوصياء وقادة والنساء تابعات مؤنسات. لربما تجدر الإشارة هنا إلى أن إحدى المقابلات في إحدى حلقات المسلسل تطرح سؤال: ما هو مصير المرأة المرمونية بعد الموت؟، هل تتكلم طائفتكم عن ذلك؟ لتأتي الإجابة بما معناه أن لا، نحن لا نعرف الكثير عن مصير النساء بعد الموت، نحن نعرف ما يناله الرجال ولا نعرف كثيرا عن إثابة النساء، نعرف فقط أنهن سيعدن زوجات لأزواجهن في الجنة. مألوفة الفكرة؟

اترك تعليقاً