لماذا نحن هكذا؟
دائماً صغيرون نحن في تطلعاتنا، صغيرون حتى في فرحنا. واحدة من أكبر عمليات التطهير العنصري في تاريخ الإنسانية تجري في سوريا اليوم، والبشر عندنا يحتفلون باغتيال السفير الروسي ويرون الشاب الذي أقدم على الفعل بطلاً مقداماً. هل هي الكوارث المتراكمة على كاهل هذه الأمة، هل هو امتداد أمد الظلم والقهر والاستبداد في حيوات أبنائها، هل هو الفقر والجهل والديكتاتوريات السياسية كلها تجعلنا غير قادرين على رؤية الصورة الحقيقية، إن غضبنا غضبنا بانفعال وإن فرحنا فرحنا بافتعال؟
تجتذب القضية السورية اليوم أنظار العالم حتى أن أعتى الأنظمة ذات السياسات الخارجية المخربة، أمريكا مثالاً، بدأت تتحدث بلغة إنسانية متضادة وتاريخها، استنكاراً لما يعانيه الداخل السوري جراء الجنون الذي يمارسه النظام وحلفاؤه تجاهها. العالم كله يقف على ساقيه، يمد رقبته فوق المسافات الجغرافية، يبحلق بعينيه برعب تجاه المجزرة القائمة، الا نحن، نحن نجلس في كراسينا الوثيرة، نبحلق في بعضنا البعض لا قبلة سوريا المنكوبة، نتقاذف الشتائم الطائفية، شيعة مع النظام ضد سنة مع الثوار، فقط لتنقلب الآية وبصورة مرضية شيزوفرينية مرعبة، إذا ما وجّهنا وجهتنا تجاه اليمن، لنتقاذف الشتائم ذاتها ولكن باتجاهات متعاكسة، شيعة مع الثوار ضد سنة مع النظام. نبدو مضحكين حد البكاء نحن في اختياراتنا، في تطرفاتنا، في تناقضاتنا التي لا نحمل أنفسنا حتى مشقة توريتها أو تزيين وجهها القبيح.
والآن، ومع احتجاجاتنا الصارخة على ما يحدث من عنف في سوريا، نهلل ونكبر لشاب حمل سلاحاً الى أرض غير أرض المعركة، وقتل رجلاً أعزل ليس بجندي ولا محارب، وقدم مشهداً كلامياً بعد أن أتم مهمته أعاد فيه تذكير الناس بأن الحرب دينية بحتة في هذه البقعة المنكوبة من العالم، مكبراً مهللاً ليعيد ترسيخ صورة الإرهابي الإسلامي في الأذهان، هذه الصورة التي لا يكاد يأتي حدث ليغطي عليها، حتى يسارع أحد أبناء هذه الجلدة الدينية لإبرازها وتكبيرها.
ماذا إستفاد الداخل السوري وكيف سيساهم هذا الحدث في التخفيف من المعاناة السورية؟ لا ندري، كل ما نعرفه أن روسيا أعلنت أن هذا الحدث لن يؤثر على علاقاتها مع تركيا، ويا دار ما دخلك شر، ونبقى نحن نحارب بسيوفنا الهوائية على تويتر وبقية وسائل التواصل الإجتماعي، شاتمين لاعنين بعضنا بعضاً، مشرعين سيوفنا الطائفية، مهللين لشاب انتهى إلى قاتل ثم فقد حياته، والثمن…لا شيء.
لو أن دولنا اجتمعت على قرار للإمساك بنفطها مثلاً لحين اتخاذ القوى العظمى المشاركة في مصيبة سوريا خطوات حاسمة لوقف هذا الجنون، لو أننا تدخلنا بشيء من الحكمة في المعادلة الاقتصادية في العالم، لو أن حكوماتنا اتخذت موقفاً موحداً ضاغطاً باتجاه قرار عالمي لوقف الحرب، محاكمة النظام وإرساء قوات عالمية على الأرض السورية لحين تحقق أولى درجات الاستقرار، لو أننا مرة في حياتنا وقفنا وقفة «إمرأة واحدة» قوية، لو متاحة كان يمكنها أن تحقق تغييراً فعلياً في القضية السورية دون المساس بصورتها وتعاطف العالم الهادر معها، لكننا لم نختر إحدى الخطوات الفاعلة الحقيقية المؤثرة، كلنا تركنا الحرب والحرق والدمار وأجساد الأطفال ملقاة في الشوارع المنكوبة وذهبنا الى تويتر ندافع عن طوائفنا ونتصارع على صفة «الفرقة الناجية» ونتباكى على الضحايا الذين ما ميز الموت طائفتهم وهو يحصدهم.
كلنا ننام أفضل ليلاً عندما نشتم ثم نلحق الشتيمة بدعاء طائفي، نشعر بأننا قمنا بالواجب وحققنا المطلوب. واليوم يعم الفرح لمقتل السفير، فرح ومقتل الكلمتان اللتان لا يجب أن تجتمعا أبداً، جمعناهما نحن بقدرة قادر، بإمكانياتنا المذهلة على جمع المتناقضات. وحتى معظم من يستنكر القتل يفعل بوجهه الطائفي في الغالب لا بوجهه الإنساني. أين نحن من فداحة النكبة وعظمة الكارثة؟ نحن نعيش في عالم إلكتروني هلامي صنعه لنا الغرب الذي نشتمه طوال الوقت، لا نكاد نطل برؤوسنا خارجه حتى نعود جرياً للاختباء في طياته ولاستعراض العضلات على شاشاته الآمنة. كلنا تناقض، ما نقول، ما نعتقد، ما نشعر، وتبقى سوريا تنزف واليمن ينزف، ونحن نعتلي آلامهما لنثبت أننا الناجون، ليسحقنا الله بسنتنا وشيعتنا أجمعين.