لست قارورة
بمناسبة يوم المرأة العالمي 8 مارس، كل عام والمرأة في كل مكان في العالم بخير وحرية وسلام، ولكن لن تكون المرأة بخير وحرية وسلام إذا ما لم تحز حقوقها الإنسانية كاملة، ليس مساواة بالرجل، فمن ذا الذي عين الرجل مقياساً للحقوق الإنسانية، ولكن اتساقاً مع ما يحقق لها الاستقرار ويضمن لها الحرية ويوفر لها السعادة. فإذا ما تحرينا وضع المرأة العربية المسلمة، فلا بد هنا من الإقرار بأنها لن تتحصل على حقوقها الإنسانية كاملة ولن يتحقق لها الاستقرار والحرية والسعادة إلا اذا ما تعدلت، أولاً وقبل كل شيء، قوانين الأحوال الشخصية وبشكل جذري وبما يضمن تساوي قواها الأسرية ونفوذها الزوجي وسلطتها العائلية تماماً مع الرجل، مع تحفظي مرة أخرى على استخدام الرجل كمقياس عام.
تتبلور الكرامة الإنسانية أول ما تتبلور في الوعي الشخصي لدي الإنسان، في شعوره بقيمة نفسه، بقواه، وبمدى قدرته على التحكم في مسار حياته وفي اختياراته، فإن تحقق له ولو جزء من هذا الشعور، نبتت الكرامة الإنسانية في نفسه وأثمرت اختيارات حياتية وأخلاقية قيمة تجعل من هذا الإنسان قيمة إضافية على هذه الأرض. أما اذا ما حرم الإنسان الشعور بالقيمة والقوة والإرادة الذاتية، فإن النتاج يكون بحرمان بذرة الكرامة من تربتها النفسية الإنسانية أو قتلها وهي بذرة في مهدها أو فرع أخضر صغير يتسلق أرضها، وعندها لن يكون هناك شجر ولا ثمر، وسيصبح الإنسان كالأرض البور، لا تنز عنه سوى روائح الغضب النابع من القهر والكبت والاذلال.
يستمد الإنسان قيمته وقواه وارادته من نفسه بلا شك، ولكن هذه النفس تحتاج لحاضن نظيف صحي، لمجتمع يعز الفرد ويحميه ويؤمن له حريته الكاملة وإرادته الحقة، مجتمع يسلم الإنسان حياته، ويقيمه على أساس إنسانيته. في مجتمعاتنا والتي تعتمد قراءات مختلفة للشريعة الإسلامية في تقنين الأحوال الشخصية تبقى المرأة تابعاً مملوكاً مهما حاول المدافعون تجميل الصورة أو تزويقها. فباستثناء دول عربية قليلة تعتبر رائدة في التقنين النسوي مثل تونس والمغرب، تبقى الأغلبية الغالبة من هذه الدول تعامل المرأة على أنها رعية، والرجل مسؤول، لربما وصي، عليها. الأمثلة تتعدد على هذه المشكلة الإنسانية الشائكة ما بين طريقة عقد الزواج إلى ترتيب حضانة الأطفال، إلى التزويد بأي حقوق عائلية أخرى، والتي عادة ما يكون الرجل هو المستقبل لها على أساس أنه «رب» الأسرة ورئيسها. إلا أن المثال الأوضح والأهم يتمركز في حق الطلاق الذي ينحصر في يد الرجل ليس فقط من حيث تسريح المرأة أو الإمساك بها، ولكن كذلك من حيث استرجاعها بعد تسريحها في أي وقت يشاء إبان مدة العدة في الطلاق الرجعي. القصص المأساوية لا تنقطع عن أسماعنا حول زوجات يعلقهن أزواجهن سنوات طويلة نشوزاً فلا هن زوجات ولا هن مطلقات، أخريات أسرى زواجات يكرهنها، وأخريات يتطلقن رغم ارادتهن، فلا يملكن حتى مناقشة هذا الطلاق فضلاً عن رفضه.
ولا تقف مأساة المرأة العربية المسلمة هنا، فتعدد الزوجات، الاغتصاب الزوجي، انحسار حقها الجسدي بالمعاشرة إلى مرة كل عدد من الأشهر أو مرة في السنة أو مرة في العمر حسب الطائفة والتوجه، الضرب الزوجي التأديبي، وغيرها من الجرائم المتعدة بحقها وصولاً إلى حرمانها من حق توريث اسمها وامتداد نسلها في أبنائها، كل تلك تشكل باقة سموم حياتية يومية تخنق كرامة المرأة وتحط من قدرها الإنساني. ليس هناك من اختيار، لا مكان للنقاش والتفاوض في هذا الموضوع، اذا ما ابتغينا التكريم الكامل للمرأة كبشر وصوبنا هدفنا تجاه إعلاء كينونتها وصون كرامتها وتحقيق الحرية والسعادة الكاملتين لها، فعلينا بتفعيل إرادتها وحريتها. لابد أن تتحقق للمرأة قوى أسرية متساوية تماماً بنظيرها الرجل تحت أي وكل قانون تعيش في ظله. عندما تملك المرأة مصيرها، عندما ترتفع عن رتبة التابع القاصر، عندما ترفض موقع «القوارير»، عندما تنبذ مفهوم الطاعة والواجب الجنسي والحرمان الجسدي والتعذيب النفسي بتعدد المشاركات لها في زوجها، عندما تتحصل على حقها الإنساني الطبيعي في امتداد نسلها واسمها في أبنائها، وقتها، وفقط وقتها، تنبت شجرة كرامتها كاملة، وتفوح سعادتها لتعطر حياتها.
لكن، لذلك ثمن لا بد للمرأة أن تدفعه، لربما يكون هذا موضوع مقال لاحق.
كل عام ونساء الأرض بحرية وسلام.