حسنة لله!
في وجه المحنة السورية الدامي تنعكس صورة العالم العربي الإسلامي بكل ما تحمل من دمامة ورياء، وفي الوقت ذاته بكل ما تنضح به من آلام ومحن. في مواجهة نكبة بهذا الحجم، لا ندري أنشفق على شعب يموت بالمئات يومياً، وقد بلغ حجم تشرده في الخمس سنوات الماضية ما يفوق حجم تشرد الشعب الفلسطيني خلال المئة سنة الماضية بمجملها، أم نشفق على عالم عربي إسلامي يحوط سوريا المنكوبة، عالم يمتلك موارد بشرية وطبيعية وجغرافية، يتوسط الكرة الأرضية، يرقد على نهر من البترول، لكنه يمد يديه للعالم شاحذاً ليس فقط المكان وليس فقط الأمان ولكن حتى الكرامة؟ وهل تشحذ الكرامة؟
لأننا أدرنا الظهور وأغلقنا الأبواب، فأصبح العدو من أمامهم والبحر من ورائهم، ألقى السوريون، نساء ورجالاً وأطفالا، بأنفسهم في هذا البحر، أو لعل التعبير الأصح هو دفعناهم نحن دفعاً إلى لجته.
فبكل ما نحمل في نفوسنا من مروءة العربان وشهامتهم، وبكل ما نحمل في قلوبنا من ورع المسلمين ووعي ضمائرهم، أغلقنا منافذنا علينا، صمتت حكوماتنا وسكنت شعوبنا فلا شاهدنا مظاهرة ولا ناظرنا مرافعة، ولا حتى ندوة، طيب برنامج تلفزيوني؟ لا تعبير عن الاستياء سوى ربما في مواقع التواصل الاجتماعي، فمن خلف شاشاتنا يحلو التشدق بالإنسانية، وفي أمان بيوتنا تسهل المطالبة والاستنكار والشجب.
ثم تخرج علينا تصريحات لا أسوأ منها سوى إعلانها، أن نحن استقبلنا عدد كذا وكذا من اللاجئين، فيرتفع السؤال: لاجئين أم مهاجرين؟ فتنخفض الإجابة إلى درجة غير مسموعة، تضيع الحقيقية ويتردد لغو خاو لأرقام كاذبة في سمواتنا التي طالما شهدت وطالما ستشهد على طغياننا وفي الوقت ذاته مسكنتنا، نحن هكذا، خلقتنا غير، أشرارا وطيبين، ظالمين ومظلومين، خطائين ومعصومين، كل ذلك في الوقت ذاته واللحظة.
ولقد ساهمت الدول الغربية في انتفاخ الأزمة السورية وفي النفخ في دكتاتورها، إلا أنها أمام أزمة إنسانية طاحنة رمت بأجساد بشر من جنسهم على شواطئهم، لم تستطع هذه الدول سوى أن تفتح بعض الأبواب، حيث دار ولا يزال حديث مطول مهم جداً في أوروبا حول المبادئ الإنسانية من حيث الالتزام غير المشروط بها أو التضحية ببعض منها من أجل المصالح العام22ة للدول الأوروبية، أو نزولاً عند عنصريات بعض دولها الشرقية.
ولقد كان لحديث المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حول قلب الموازين وخلق فائدة من وجود اللاجئين للبلد، ألمانيا، وشعبه لا التعامل معهم على أنهم عبء ومشكلة، أكبر الأثر على الدول الأوروبية المحيطة من حيث تغير تقييمها لعملية استقبال اللاجئين، حيث اتخذ الموقف منحى أكثر إيجابية، وبدأت الدول الأوروبية ليس فقط في اتخاذ قرارات سياسية وأمنية حصيفة ونبيلة تجاه اللاجئين، بل نزعت وتنافست فيما بينها لإظهار وجه إنساني لقياداتها ولشعوبها. فمن استقبال بالورود والترحيب، إلى قرارات مشرفة لوزراء ومسؤولين، إلى مواقف انسانية نبيلة مؤثرة من الشعب حتى من أصحاب المداخيل المتوسطة ودونها، عزفت أوروبا بقيادة ألمانيا متبوعة بالمملكة المتحدة وغيرها، لحناً جميلاً مؤثراً معبراً عن القيم الإنسانية النبيلة التي نسيناها في بقعتنا الشرق أوسطية أو كدنا.
نعم، للغرب مصالحه، ونعم للغرب تآمره، ونعم للغرب مساهمته الجبارة في خلق الأزمة، ولكن، الحوار الأوروبي السياسي الإنساني غير المسبوق والمواقف النبيلة، أياً كانت دوافعها ومراميها، والقرارات السياسية التي تبدو ضمائرية المنبع إنسانية المنحى، وهو ما لم نشهده منذ زمن لا في غرب ولا في شرق، كل ذلك يجعل للدول الغربية العلمانية الليبرالية اليد الأخلاقية والإنسانية العليا.
ولكن سنبقى نشتمهم، ونبقى نسخر من أخلاقهم، ونبقى نلوك مظهر نسائهم ونبقى نتنبأ لهم بالنار الأخروية، لربما تنفيساً، لربما دفعاً لآثام التخاذل، لربما تغطية على صوت الضمير، لربما من باب لا تصلح نفسك، فهذا كثير، فقط انتقد الآخر، لربما لأن آلامنا ومصائبنا وطول الطأطأة وتعود التبعية، تلك «الحاضر» الممطوطة للحاكم وتلك «لبيك» المستمرة لرجل الدين، لربما لأن كل هذه لا تختفي إلا اذا زعقنا، إلا اذا وجدنا منفذا نحشر فيه آثامنا، إلا اذا علقنا خطايانا على شماعات الآخرين. نحن أشرار ونحن مساكين، نحن المعضلة التي ليس لها حل.