تحميل إغلاق

عصير ليمون

عصير ليمون

في مسرح الكويت الجديد، الذي أصبحت تهيمن على شباكه أسماء محددة طوال السنة، انتهت كوميديا الموقف، لينتشر «الاستهزاء اللفظي المباشر بين الممثلين».

على موقع Open كتب الصديق ضاري الجطيلي مقالاً مهماً جداً بعنوان “هل يقضي مشاهير السوشال ميديا على ممثلي المسرح التقليديين في الكويت؟”، يتناول المقال في جانبه الأهم بالنسبة إلي دراسة نقدية جميلة وبسيطة ومباشرة لإحدى مسرحيات طارق العلي على الرغم من إصرار الكاتب على أن “هذا المقال ليس نقداً فنياً”، لأن الكاتب من غير ذوي الاختصاص كما يصف نفسه، مؤكداً أن المقال كان نتاج وجود شيء ما أمتعه في تجربة المشاهدة.

 يصف الكاتب هذا الشيء الممتع لمشاهدته مسرحية طارق العلي الجديدة “آن فولو” في نهاية مقاله قائلاً “إن أخذ موقع المتفرج ليس على مسرحية “آن فولو” فحسب، بل على الواقع الجديد الذي حرك مشاعر القائمين عليها، ومحاولة فهمه وتحليله، هو المسرحية الحقيقية الجديرة بالمشاهدة والاستمتاع. هذا الواقع ليس معركة بين ممثلين تقليديين ومشاهير سوشيال ميديا، ففي كلا المجموعتين ما هو متميز ورديء، وإنما هو معركة في عصر زادته التكنولوجيا تسارعاً، بين من هو مبدع ومجدد ويعتبر كل عمل مهمة جديدة لكسب إعجاب الجمهور من جهة، ومن يتخذ أسهل (أسفل؟) الأساليب، أو يتعيش على أنقاض أمجاد الماضي لاستمرار تأثيره من جهة أخرى”.

وعلى الرغم من أهمية هذه المعركة الدائرة، وشعوري الملح الحزين، كوني من العشاق التقليديين المقدسين للمسرح بأن الغلبة ستكون دوماً للمستقبل، للسوشال ميديا، على حساب النجم المسرحي التقليدي، وما قد يحمله هذا الانتصار من تداعيات ثقافية وفكرية على المجتمع وعلى نوعية المعلومة المنتشرة، فإن ما أثارني في المقال كان النقد المباشر الرائع الذي قدمه الكاتب للمسرحية في عارض مقارنة تأثير نجومها بتأثير نجوم السوشال ميديا، حيث قال ما وددت قوله ولربما ود الكثيرون غيري كذلك حول حال المسرح المسكين الذي سنت له السخرية الخارجة والتهريج المتهافت السكين، فذهب ضحية الاستعجال في التكسب والتهاون في العمل والتنازل المريع عن قدسية الخشبة فداءً للشهرة المربحة.

يشير الجطيلي، في عارض نقده للمسرحية، إلى غياب التشويق في فهم الرسالة “حيث انبرى الممثلون لإيصالها بشكل مباشر بلا إبداع مبطن، ولو قليلاً، ليترك مجالاً للمشاهد لاستنتاجها بنفسه”، وكما غاب التشويق يغيب الدور الدرامي الحقيقي للممثلين المختارين في المسرحية، فيبدو “وجودهم مجرد تدعيم للمسرحية كي لا تظهر أنها عمل فردي للعلي مع مجموعة شباب غير معروفين”.

 ويشير الكاتب إلى دلائل أخرى على “عدم الاكتراث” متمثلة مثلاً بتغيير ديكورات المشاهد دون تعتيم كامل أو إنزال الستار و”وجود أخطاء إملائية على أزياء الممثلين المفترض منها إيصال رسالة عن موضوع المسرحية”، واضعاً يده على الجرح الحقيقي بالنسبة إلي، ففي حين أنني أعتقد أن ركاكة الحوارات وسقوط الإيحاءات والخروج المستمر السمج عن النص والاعتماد التام على الاستهزاء بالآخرين من أجل استجداء الضحكة، وكلها أتى الكاتب على ذكرها بشيء من التفصيل في مقاله، هي مشاكل مزمنة في المسرح الكويتي المعاصر، إلا أن عدم الاكتراث المتمثل ببعض المواقف التي ذكرها الجطيلي تشكل بالنسبة إلي كدارسة محبة للمسرح، أعظم مصيبة فنية، فالحوار والإيحاء وطريقة صنع الكوميديا يمكن دسها كلها دساً في باب تنوع الأذواق لمن يريد أن يبرر ويدافع، إلا أن الإهمال واللامبالاة لا يمكن تبريرهما على أنهما أسلوب فني مقبول عند البعض ومرفوض عند الآخر، هما كما هما، إهمال ولا مبالاة متمثلين بتداعي الإتقان والتهاون في الصغائر وصولاً للكبائر، ومشيرين الى استهانة بالجمهور وإلى تقييم منحدر لذكائه وذوقه الفني.

في مسرح الكويت الجديد، الذي أصبحت تهيمن على شباكه أسماء محددة طوال السنة، انتهت كوميديا الموقف، وهي التي يعرفها الكاتب على أنها “الاعتماد على الموقف المجسد في إضحاك الجمهور” لينتشر “الاستهزاء اللفظي المباشر بين الممثلين… دلالة على انعدام أي جهد جاد لكتابة موقف كوميدي بدلاً من نكتة ترمى ثم تنسى”. كما أن الإيحاءات الجنسية التي تملأ مسرحياتنا دون أن يكون لها توظيف حقيقي درامي هي، كما يقول الجطيلي “لم يكن لها داعٍ سوى الإضحاك لغرض الإضحاك، وكأن الجمهور مجموعة أطفال تعلموا للتو كلمات الكبار ويتوقع منهم القهقهة خلسة كلما قيلت أمامهم، والشيء بالشيء يذكر، حدثت تلك الحوارات الجنسية أمام مرأى ومسمع الكثير من الأطفال بين الجمهور الحاضر”.

يثير الكاتب نقطة نقدية أخرى غاية في الأهمية تدور حول الطابع التنفيسي للمسرحية المعنية، حيث يستشعر المشاهد “الحرقة والألم الذي يشعر به العلي جراء بروز مشاهير السوشال ميديا وسحبهم بساط الإبداع (والجمهور) منه”، مما أعطى انطباعا بأن الموضوع “غيرة شخصية أكثر مما هو قضية عامة”. هذا بخلاف أن ما يستنكره العلي في مسرحيته، من أن شهرة السوشال ميديا لا تتأتى سوى بالسخرية من مسؤول ما، هو ذاته ما يأتيه بسخريته واستهزائه بفئات مجتمعية مختلفة، كما يقول الكاتب، “يوجد من ينتمي لها بين الجمهور الحاضر وفي ذلك مثال آخر على انعدام الاحترام للجمهور”.

وبينما أنني لا أمتلك حلم صديقي الكاتب ضاري الجطيلي ولا قدرته على صنع عصير ليمون من المر الذي تجرعه في المسرحية بأن ألصقها إلى واقع اجتماعي حالي، وأقام مقارنة فكتب في وعيه مسرحية بداخل مسرحية هي ممتعة وتستحق المتابعة، فأنا من جيل سابق يرى في الاستخفاف بالمسرح جريمة لا يغفرها الدرس المرفق، إلا أنني لا أنكر استفادتي بل انبهاري من المقارنة المعقودة وإن بغصة. فالصراع القائم بين الإعلام التقليدي عموماً والإعلام ووسائل التواصل الحديثة هو صراع غاية في الإثارة، ويستحق بلا شك المقاعد الأمامية لمن يبتغي المراقبة والتقييم.

لا تفوتكم اللمحات الذكية والنقد الجميل والكتابة السلسة الرائعة لضاري الجطيلي، تجدون المقال الكامل هنا http://bit.ly/1Nay4E4

اترك تعليقاً