القدس قضيتكِ
لأن عالمنا عالم ذكوري بإمتياز ولأن الحياة تسرع الى حافة الهاوية بدفع من الممارسات الشوفينية الأبوية، خطاب اليوم هو خطاب للمرأة، هو استغاثة بها وصرخة في «صرصور» أذنها، أن لا يمكن أن تكوني إمرأة تطالبين بحقوقك وأمنك ومساواتك وفي ذات الوقت تساندين أو حتى تسكتين عن أي نظام قمعي شوفيني ذكوري، مثل نظام الإحتلال، أي نظام إحتلال، فالأنظمة العسكرية الإستعمارية ما هي سوى إنعكاس للفكر الأبوي الذكوري البحت الذي يقود العالم بخطى ثابتة نحو الإنهيار.
القدس تعنيكِ أيتها المرأة، ليس العربية أو المسلمة فقط، بل المرأة في كل مكان على سطح هذه الأرض، فإستعمار فلسطين رمز لإستعمارك، وإنتهاك شرف نسائها إنتهاك لشرفك، وإستمرار إحتلالها إستمرار لذكورية سلطوية تمارس عليكِ، تنتهك طفولتكِ، تزوّجك قسراً، تأسركِ عند زوجك، تقدر عليك أخوتك الذكور، تمكن زملاء عملك من إضطهادك، تسمح لمارة الشارع من التلفظ الخارج عليك، تستعملك أداة تهديد في كل حرب، تستخدم جسدك لإذلال كل مقاومة. إستمرار إحتلال القدس هو صفعة على وجوه النساء قبل غيرهن، هو إستمرار لنظام ذكوري أبوي حقير عنيف، يغتصب الأرض والعرض، ينتهك الحرمات ويعتمد على التمييز العرقي والنوعي، أليس ديدن الإحتلال هذا هو ما أصل تعانيه النساء؟
تستعرض الكاتبة الكويتية شيخة البهاويد في مقال لها على موقع «منشور»، وهو موقع بحثي قوي ينشر أبحاثاً وقراءات لمواضيع جريئة ومختلفة، موضوع علاقة النسوية بمقاومة الإحتلال في مقال عنوانه «لماذا من المهم أن يدعم الحراك النسوي قضية فلسطين؟»* فتقول: «الدولة هي اللبنة الأولى في إضطهاد المرأة، وأي تهميش لدور الدولة وإلقاء اللوم على المجتمع وحده مناف لحقيقة أن الدولة هي الكيان السياسي الذي يسمح للذكر باضطهاد الأنثى، ويخيط القوانين، ويمنهج القمع، ويكرس النظرة الدونية للمرأة تجاه نفسها عبر الوسائل التربوية والإعلامية». هذا الربط يأخذنا كما تشير البهاويد الى «النقطة المهمة: إذا كان الفكر النسوي أساساً قائماً على رفض الأنظمة الأبوية بأشكالها كلها، وأي وقوف الى جانب أحد هذه الأنظمة يعارض أساس هذا الفكر، فهل يعني هذا أن ترفض النسوية فكرة الإحتلال؟»، تكمل البهاويد قائلة: «تأتي سيادة الرجل على المرأة من أسس سياسية ودينية واقتصادية، والنسوية في صراع دائم مع الدولة التي تعطيه السيادة على أسس الاضطهاد هذه، فمن باب أولى أن تكون في صراع مع كيان محتل يرتكز على هذه الأسس بشكل متطرف، قائم عليها بشكل محوري، إذ ليس الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين سوى عملية سياسية ذات جذور دينية وأطماع اقتصادية». تقتبس البهاويد رأي نادرة شلهوب، أستاذة علم الإجرام والناشطة في القضايا النسوية والقضية الفلسطينية، والتي تؤكد أن «تحويل أجساد النساء الى أسلحة ليس حدثاً هامشياً، بل قضية جوهرية تتحقق تحت ظروف إستعمارية، وأن العنف ضد أجساد النساء الفلسطينيات يتعزز بيد الدولة الصهيونية لتقوية البنى الذكورية الأصلية، وللإسهام في طرد الفلسطينيين من أرضهم». تحلل البهاويد وضع النسوية الإسرائيلية، والتي بحد ذاتها تعاني من عنصرية يهودية – يهودية بين المزراخيات والأشكنازيات، متساءلة: « كيف يمكن للنسوية الإسرائيلية أن تكون مناهضة للنظام الأبوي وهي جزء من منظومة إحتلال صهيوني ينتهك حقوق الفلسطينيات حتى الوقت الحاضر؟». هنا تؤكد الكاتبه أن «الحالة الوحيدة التي يمكن ألا تناقض فيها النسوية الإسرائيلية نفسها هي مناهضتها للصهيونية ومساندة النساء الفلسطينيات ضد العنف الجنسي الاستيطاني الممارس ضدهن، إذ يستخدم الاحتلال أجساد النساء سلاحاً ضد أصحاب الأرض الأصليين، عن طريق مفاهيم الشرف أو الإبادة لإنهاء العرق الفلسطيني». تؤكد البهاويد الفكرة بصياغتها في صورة سؤال يقول: «هل يمكن أن تكون نسويّاً، وفي نفس الوقت جزءاً من كيان ذكوري يستخدم أجساد النساء كسلاح استعماري؟».
من هنا لا بد من التأكيد على أن أي نوع من التمييز العرقي أو الديني أو الإجتماعي أو الإقتصادي، أي تلميح لمساندة قمع أقليات أو حتى مجرد السكوت عن هذا القمع، أي قبول بنظام أبوي ذكوري يعلي العنف ويستخدم الأجساد كأسلحة هي جميعاً وقفة عدائية صريحة في وجه أي حراك نسوي حقيقي، وغني عن التأكيد، وفي وجه أي حراك إنساني في أبسط صوره. العقل الذكوري (لا بد من التفريق هنا بين العقل الذكوري والرجل، فهذا العقل يسكن جسد المرأة أحياناً) لن يزيح هذه المصيبة ولن يرفع هذا الظلم، هو ذات العقل في الواقع الذي يصرح اليوم وبكل وقاحة بديموقراطية إسرائيل وبإنتفاء عداوتها للعالم العربي وبضرورة إحترام نموذجها «الناجح».
«عودة الهوية الفلسطينية للفلسطينيين»، تقول شيخة البهاويد في نهاية مقالها: «وهو الشيء الذي يحاول الاحتلال نزعه وإلغاءه، يتماثل مع عودة هوية المرأة واستقلالها، وهو الشيء الذي تحاول الأنظمة الأبوية طمسه وتهميشه يجب ألا ننكر أن المرأة الفلسطينية تواجه نظام الاحتلال الصهيوني بصفتها فلسطينية، والنظام الفلسطيني الذكوري بصفتها إمرأة». تحرير فلسطين إذن هو حراك إنساني نسوي بإمتياز، لن تتحرر فلسطين إذا بقينا نؤمن بالأنظمة الأبوية وبالتمييزات الشوفينية الذكورية، فمحاربة الإحتــلال هي محاربة للقمع والتمييز والأبوية، وهي معركتنا، النسويين والنسويات في كل مكان على الأرض.
مقال شيخة البهاويد كاملا
https://manshoor.com/people/feminism-in-palestine-israel/