أيها الحاقد
مقاييسنا مختلة كبشر أحياناً كثيرة، وحول ذلك، يتحدث ريتشارد دوكنز في دفاعه عن حقوق الحيوان فيقول ما معناه أن ما يفصل في أحقية الحيوان في الرحمة والحماية هو أنه كائن يشعر كما الإنسان تماماً. إذن، فالنقص في القدرات العقلية والاستيعابية أو في القدرات التعبيرية أو حتى في كمية الوعي بالمحيط الطبيعي لا يقلل أبداً من كمية الشعور بالألم والعذاب، هما ذاتهما عند الإنسان والحيوان. اذا أنت طعنت انساناً أو طعنت قطة، ذات كمية الألم والأذى ستستشري في الجسد، وهذا الشعور بالعذاب وحده كفيل بحفظ حق الحماية واستحقاق الرحمة.
مؤسف أن أحتاج لمثل المقدمة أعلاه لأدخل الى موضوعي الرئيسي إلا وهو تطابق كمية الشعور ونوعيته بالألم والعذاب عند نوعيات البشر كذلك مهما تباينت واختلفت، فلربما توقعنا أن هذه الحقيقة تحصيل حاصل، إلا أنها، على ما يبدو، ليست دائماً كذلك. الزوج الذي تخونه زوجته فتنزف كرامته ويجرح شرفه لا يزيد في ألمه وعذاباته شيئاً عن المرأة التي يخونها زوجها فتصاب في كرامتها وشرفها، الشعور واحد، المصاب واحد، التفاعل الكيميائي داخل الجسم واحد، الألم والغضب ذاتهما، ما يختلف هو فقط تقييم المجتمع و»تجنيسه» لنوع الألم، وطبعاً وجهة النظر الدينية التي تأتي لتساند المجتمع وتقاليدة: الذكر طعنته مميتة، الانثى لها الصبر والتحمل ولربما، ان راق حظها، السلوان.
هذا الطفل يغفو في حضن أمه، فاذا برجة تضعضع جسده الصغير، صرخة انفجار تطن في أذنيه، نار تقتحم ملابسه، يهوي من علي، يرتفع الى السماء، يمسك بتلابيب أمه المذعورة … الشعور واحد، دائماً واحد. ان كان هذا الطفل سورياً في مدينة منكوبة بطاغيتها أو كان طفلاً روسياً في طائرة منكوبة بقدرها، ان كانت صغيرة تتعلم في أفخر مدارس موسكو أو ريفية جميلة تذهب لكتًاب قريتها في حربل، ريف حلب، الرعب واحد، الألم واحد، اللحظة الأخيرة بكل توهجها وبكل بشاعتها وبكل جشعها وبكل ظلمتها…واحدة…واحدة لكل الأطفال.
فأن تستطيع أن تتشمت في موتى الروس المدنيين الأبرياء، دع عنك الصغار منهم، فأنت لست بانسان، لأنك تعادي أهم غرائزك وتتصادم ورغبة بقائك التي تدفعك لحماية بني جنسك. أنت عندها «روبوت» من نوع، آلة صنعها زمن رديء وساسة أكثر رداءة، كتلة جشع لربما راكمتها الظروف وان لم تستطع تبريرها، كومة حقد وكره لن تستوي الا بعد أن تقضي عليك أنت ذاتك. أن تبكي على أطفال سوريا، فهي رحمتك وانسانيتك، نشاركك الدموع ونجمعها أنهاراً وبحوراً لو أنها تنقذ سوريا الجميلة من قبضة معاتية هذا الزمن، من قبضة حكامها وثوارها، ولكن أن تفرح بدماء أطفال روسيا في ذات الوقت، تسقط عندها إنسانيتك ويتشوه في لحظتها تعاطفك وتنسل وقتها كل خيوط قضيتك، فلا يعود يبقى منها سوى جهلك وجشعك ووحشيتك.
نعم أنت، يا من هللت لسقوط طائرة مدنية ومقتل بني بشر مثلك عليها، يا من فرحت وشمت في صغار مثل صغارك، ينغمسون في حضن أبائهم، يغفون وحليبهم ينساب على شفاههم، يتعلقون برقاب أمهاتهم، لا يعرفون من الدنيا سوى محيطهم الصغير جداً الذي لم يدخل اليه بشار ولا بوتين ولا الشيعة ولا السنة ولا المسلمون ولا المسيحيون، أطفال هم بكل تأكيد أنقى وأطهر ألف ألف مرة منك، حكم الزمن أن تنعاهم أنت بسخرية وتقابل لحظات رعبهم الأخيرة بشماتة وفرح، أنت أيها الإنسان الذي خلعت انسانيتك، ابق في جحيم نفسك تصلاه ويصلاك، ابق مع بشاعة قلبك وعظم جرمك، فقد شمت في أطفال سوريا وأنت تشمت في أطفال روسيا وفرحت بدماء السوريين المعذبين فرحك بدماء الروس المقتولين. أنت أيها الشامت الحاقد، أكاد لا أستطيع أن أتمنى لك أي سلام.