يا تطخه يا تكسر مخه؟
ما فعله مقدمو المقترح بقانون إعدام المسيء إلى الرسول أحرج كل الأطراف، وأضفى صبغة سيئة على كل الآراء، ووضع الجميع في مأزق خبيث لا يخدم سوى ما في النفوس المريضة من غايات وحب سيطرة وتملك.
أصبحت الأطراف المتخالفة في الرأي تنظر إلى بعضها بهذه الصورة: إما أنك رجعي متخلف لا تؤمن بالدولة المدنية فتوافق على القانون، وإما أنك كافر مهرطق ترضى بالإساءة إلى النبي فتعارضه، لعبوا لعبتهم ووضعونا جميعاً على الخط الفاصل، إما تخطو يميناً فتصبح متخلفاً وإما شمالاً فتصبح زنديقاً. يحركون الشعب كحطب الدامة، يقسموننا على بعضنا، يرموننا بكرات مشتعلة، ويجبروننا على تقاذفها فتحرق كفوفنا، ننشغل بالألم والعجز عن استعمال أيادينا، فيكبرون هم، يقوون، ويطغون، كل يوم أكثر من سابقه.
في الواقع كلنا ضحايا، فلا الموافق على القانون متخلف يكره الدولة المدنية ولا المعارض له زنديق يقبل الإساءة إلى نبيه، ولكن كليهما وضع أمام خيارين أحدهما أمرّ من الآخر، فطرح النواب وضع الموافق في زاوية الدفاع عن مقام النبوة ولو بالقتل ووضع المعارض في زاوية اللامبالي بدينه ونبيه في سبيل مدنية دولته. فأما للمتمسكين بمدنية الدولة فأقول: اللعبة كبيرة فيجب ألا نقع في فخ التعادي المنصوب لنا، ليس أعداؤنا الشعب الذي يعتقد أنه ينتصر لنبيه ودينه، ولكن الأعداء هم من حددوا هذا الانتصار بالقتل، فاستشهدوا بالدين لممارسة القمع والترهيب، وهو خطاب قوي نفّاذ، لا يقوى الشارع بعامته في العادة على التخلص من رعبه. الحوار الصريح والواضح هو المطلوب في هذه المرحلة، لا المواربة والإشارة والتضمين، فتلك تفقدنا ثقة الشارع وتمنع عنا الهدف المنشود.
وأما للفخورين بسؤالهم الذي يرفعونه كراية انتصار لحوار لم يبدأ بعد: «يعني ترضون بالإساءة إلى الرسول وشتم الصحابة؟»، أقول لا أرضى ولا أعتقد إنساناً عنده ذرة منطق، ينتمي إلى الدين الإسلامي أو إلى غيره أو إلى الفكر اللاديني يرضى بمنطق الشتم والإهانة، لكن الخيارات لا تنحصر في الشتم أو حز الرقاب، هناك خيارات في المنتصف تتواءم ومنطق الدولة المدنية، حرية الرأي، احترام الأديان، وأخيراً التعددية العقائدية. ولعله من المفيد هنا الإشارة إلى أن الدولة كمؤسسة يفترض بها أن تشرع لمواطنيها، تنظم العلاقة بينهم وبين حكامهم، والنبي الكريم وآل بيته وصحابته ليسوا مواطنين كويتيين يخصون الدولة فقط، بل هم ملك المسلمين جميعاً في كل أقطار الأرض المسلم منها وغير المسلم. كيف إذن تشرع الدولة لأشخاص ليسوا بمواطنيها مهما بلغت قداستهم؟
ومع ذلك، فالأغلبية الكويتية مسلمة، تتأذى نفسياً من المساس بمقدساتها، ولو كان المجتمع أكثر ثباتاً وثقة، لقلنا المساس يبقى رأياً، بذيئاً ورخيصاً، ولكنه رأي، فلنحاربه بالرأي الآخر وإثبات منطق السلام والرحمة في الدين في التعامل مع أعدائه، ولكننا مع الأسف، مجتمع تنخره العنصريات والتطرفات التي فككته وخلخلت أطرافه، لذا ليكن هناك قانون يعاقب الإساءة، على أن يطبق تجاه الأديان كافة وليس الدين الإسلامي فقط، وعلى أن يكون هناك تعريف واضح ومحدد ومحدود للإساءة، وعلى أن تنحصر العقوبة في تلك المالية أو الخدمة المجتمعية التي قد تصنع شخصاً أفضل من المحكوم عليه، لا أن تقضي عليه فتتسبب في خسارة الدولة لأحد مواطنيها.
من وافق على القانون من الشعب وافق بليّ الذراع بعد أن اعتقد أن هذا هو الطريق الأوحد للحفاظ على كرامة النبي، ومن رفض فعل خائفاً مغامراً بسمعته ليبدو متعانداً وشعوره الديني بالانتصار لنبيه ودينه. وهكذا نحن دوماً مجرورون بين خيارات يريد المتطرفون، الدكتاتوريون، المتآمرون، إقناعنا أنها خياراتنا الوحيدة، وهي ليست كذلك أبداً، ونحن لا نستحق ذلك أبداً.
انتهى موضوع القانون برده من سمو الأمير، لكن المؤسف أن محتواه لم ينتهِ من بث بغضائه بين الناس وتقسيمهم و«تصفيفهم» في عداءات لا نقوى عليها، ستحرقنا وتحرق بلدنا معنا.