تحميل إغلاق

صدقي قلبك

صدقي قلبك

لا يعرف الرجل معنى أن يكون إنساناً درجة ثانية، مواطناً درجة ثانية، جنسه يجعله مستعبداً، يراكم عليه الواجبات، يجعله عرضة للنظرات والغمزات واللمزات، يصنع منه تابعاً مدى الحياة، موصى عليه، ملزماً بتقاليد من صنع الآخرين، بالية ناقصة مريضة، تجعل منه ملكاً للآخر.

 بعد أن استمعت إلى خطاب شيماماندا أديجي حول المنهج النسوي ووضع المرأة في إفريقيا، وتحديداً نيجيريا، داهمتني فكرة ليس فقط تشابه وضع المرأة في الدول “النامية” ولكن تشابه التفكير الرجولي حول هذا الوضع، وتشابه التعليق والتبرير والغياب، وغياب الفهم الحقيقي لوضع المرأة في هذه المجتمعات.

نسمع هذا التعليق المستنكر باستمرار عندنا: ماذا ينقص المرأة؟ وهو سؤال مستحق لمن لم يعش كأنثى في مجتمعاتنا خالصة الذكورة. لا يعرف الرجل مفهوم التقييد الحياتي سوى في طفولته ولدرجة محدودة، فسرعان ما يعطيه المجتمع والأسرة حريته التي تكفلها ذكورته.

لا يعرف الرجل معنى أن يمنع من الخروج من بيته، أن يفرض عليه وقت عودة محدد، أن يغصب على مظهر وملبس معينين، أن يؤمر بالجلوس “عدل” والضحك بخفوت والكلام برقة، وكأنه يمثل في فيلم ممل لا ينتهي.

لا يعرف الرجل معنى أن يكون تحت سلطة “النظرة”، حيثما يسير تتبعه نظرات مريضة فاحشة، تتسلط عليه ليعاقبه المجتمع هو دون صاحب النظرة الفاحشة.

لا يعرف الرجل معنى أن يخدم في بيت والده ثم في بيت الزوجية، أن يكون لإخوته من الجنس الآخر حقوق عليه كالخدمة والطاعة فقط لأنهم من الجنس الآخر.

لا يعرف الرجل معنى أن يدخل في عقد زواج يسلم فيه نفسه وحياته، دون أن يملك حق تقرير مصير نفسه.

لا يعرف الرجل معنى أن يقوم الشرع والقانون عليه، فيعطيان الطرف الآخر الحق في جسده وفي طاعته وكأنه مملوك بجسده وعقله وحياته للآخر، يطلقه متى ما شاء ويسترده متى ما شاء وأحياناً دون علمه.

لا يعرف الرجل معنى ألا يكون وصياً على أبناء من صلبه، ألا يستطيع تقرير مصيرهم، ولا يمتلك أي سلطة على أموالهم أو حيواتهم، لا يورثهم جنسيته أو دينه أو اسمه، ولا يعرف معنى ألا يستطيع الحصول على الاحترام الكامل فقط بسبب جنسه، ولا يعرف معنى أن يعاير بنقص في عقله ودينه وقواه العاطفية.

لا يعرف الرجل الدقائق اليومية لحياة المرأة، والواجبات المتراكمة التي يفرضها عليها جنسها والتي منها تحمل الرجل بكل نزواته وهفواته والصبر عليه، ثم في تناقض مريع، الاتهام بالعاطفية والتهور.

لا يعرف الرجل معنى أن يكون إنساناً درجة ثانية، مواطناً درجة ثانية، جنسه يجعله مستعبداً، يراكم عليه الواجبات، يجعله عرضة للنظرات والغمزات واللمزات، يصنع منه تابعاً مدى الحياة، موصى عليه، ملزماً بتقاليد من صنع الآخرين، بالية ناقصة مريضة، تجعل منه ملكاً للآخر.

لا يعرف الرجل الشعور بأن موته سينهي امتداده، فلا ابن يحمل اسمه ولا ابنة ترث جنسيته، وكأنه كينونة منقطعة عن بقية الدنيا.

ترى، هل يستطيع الرجال إغماض أعينهم لوهلة وتخيل هذه الحياة؟

بلا شك، بعض هذه المعاناة خطير والبعض الآخر بسيط، لكنها دقائق المعاناة البسيطة، بتكرارها اليومي وإمعانها في تذكير المرأة بمملوكيتها وذلها، تلك هي التي تحطم الإنسان من الداخل وتخرب نفسه حتى لا يعود يجد لها قيمة أو وزناً، وهذا ما يجعل الكثير من النساء عندنا ينظرن في الواقع لأنفسهن نظرة دونية ويرفعن مقام الرجل عالياً، فهو الذكر، وهو من يقول بتقدمه القانون وبتفوقه الشرع وبقوته العادات والتقاليد، أتكذب كل هذا وتصدق نفسها وحدسها وقواها الإنسانية؟

نعم، تكذب كل هذا وتصدق نفسها وحدسها وقواها الإنسانية.

اترك تعليقاً