هيا نحرق السحرة
لماذا تتمادى تلك النائبة في إطلاق صرخاتها ضد المقيمين في الكويت؟ لماذا تبالغ في محاولة إيجاد رابط بين أي مشكلة لدينا في الكويت ووجود غير الكويتيين على أرضها حتى أصبحت مواضيعها مادة للتندر والسخرية؟ أول ما يخطر على البال أن توجهها هذا ما هو إلا تجاوب مع الاستحسان العام الصادر من كويتيين مضغوطين، يحيون على أرض ثرية لم تتحسن خدماتها أو تجدد بناها التحتية منذ أن تحولت من إمارة صغيرة قديمة إلى دولة مدنية حديثة. والجموع العامة لا يحكم تحركها عادة، وفي أي مجتمع بشري، العقل والمنطق، إنما هي المشاعر وأدوات استثارتها تلك هي التي تحرك الجموع، وهي ذاتها ما تجعل الصوت الجمعي الكويتي اليوم عنصري النكهة، محملا بنبرات النفور بل الكراهية التي عادة ما يتم التعبير عنها بتنميط الآخر والسخرية منه والاستعلاء عليه وأخيراً بتهديده والضغط على مكامن ضعفه.
كل تلك الأساليب متوقعة من الجموع، حيث يغيب الواحد بين الكثيرين، فلا تعود عنصريته خاصة به، ولا يمكن الإشارة لأخلاقياته تحديداً، فهو محمي بين مجموعة لا تختلف عنه، تحفظه من المواجهة المنفردة وتؤيد صوته بالعدد وبارتفاع النبرة. هنا يصعب تمييز الكراهية والعنصرية، فحين يتبناها مجتمع بأكمله سيبدو ذلك مُبَرِراً لإيجاد أسباب لها، فالعدد الكبير يغير الصورة ويبرر النبرة من منطلق ألا يمكن لكل هؤلاء أن يكونوا مخطئين، أن لابد من وجود أسباب معقولة تقلب مجتمعاً كاملاً من متعايش إلى عنصري، من ودود ممنون لخدمات الآخرين الى كاره قاس غليظ التعابير. الحالة الجمعية مريحة، فهي تضيع الصوت المريض بين أصوات كثيرة تستر مرضه، وهي تبرر العنصرية والقسوة والأنانية بالعدد الكبير الذي يمارسها، الحالة الجمعية تحمي العنصري ليس من الآخرين وتمييزهم لعنصريته وكراهيته فقط، ولكن من نفسه كذلك، من ضميره ومن أخلاقه ومبادئه التي يسهل تمييعها إذا ما ميعها الآخرون جمعياً.
لكن ماذا عن صوت نيابي منفرد واضح يسجله التاريخ؟ كيف تغامر هذه السيدة بصورتها وصوتها وشكلها أمام دنيا تتجه للأمام لا الخلف، وتشتد فيها ثقافة الحقوق والاحترام الإنساني لا تتراجع؟ أحياناً تقلقني جداً فكرة المنظور المستقبلي، رغم أنني أعلم أنني لن أستشعرها، أن بعد مئة سنة، كيف سينظر الناس إلينا، حتى هؤلاء منا من يدعون استيفاءهم التعامل بالمنظور الإنساني؟ كيف سيقيموننا ولدينا عاملات في منازلنا وسبل راحة كثيرة نستمدها من وجود مستضعفين يخدموننا؟ اليوم الوضع طبيعي مقبول، وحتى الأفضل بيننا لديهم عاملات وعاملون، لربما هم يحسنون معاملتهم ويكفونهم كل حقوقهم، لكن حتى هذا الإحسان وتأمين الحقوق لربما سيبدوان عنصرية لا إنسانية بعد مئة سنة مع تغير المفاهيم وتطور المبادئ الإنسانية، كيف إذاً سنبدو وقتها؟
عندما تأتي هذه الفكرة أشعر بنبض تعاطف طفيف مع هذه النائبة التي سيأكلها التاريخ أكلاً وستمضغ سيرة عملها الأحكام المستقبلية مضغاً، ستبدو في التاريخ أسوأ من حقيقتها، سيحاكمها المستقبل بقسوة وسيرسمها وحشاً لربما هي ليست هو، لربما هي تمثله من أجل الأصوات والـتأييدات وشوقاً لصراخ الجموع المؤيد خلفها، جموع سيصورها التاريخ حاملة للمشاعل ومرددة “هيا نحرق السحرة”. كلنا سنبدو في مرآة التاريخ أسوأ مما هم نحن، سيُشَرّح التاريخ عقولنا وأفكارنا، وسيكشف ما لا نعرف نحن ذاتنا عن أنفسنا، وسيكون قاسياً، قاسياً جداً. كيف ستبدو هذه النائبة بصوتها المنفصل المسموع الواضح، بأشد مما ينبغي، إذاً في مرآته؟ كيف سنبدو نحن جميعاً؟