«قول غير هالكلام»
بودي أن أفهم تصريح وزير الداخلية الذي يقول فيه إن “بعض القيود الأمنية للبدون احترازية لمنع الجريمة”، “احترازية” يا جماعة، “احترازية” يا أهل القانون، بمعنى أنها قيود احتياط، في حال ما إذا نوى بدون القيام بجريمة ما في المستقبل، فسيكون هناك قيد أمني يمنعه من القيام بالجريمة؟ يجرمه قبل وقوعها أصلاً فيثبت صحة تنبؤات الحكومة؟ كيف توضع القيود الاحترازية؟ بمعنى كيف يختار وزير الداخلية الأشخاص الذين يجب أن يحترز منهم؟ على أي أساس؟ لربما ينظر في تاريخ العائلة ومن منهم له جد أو قريب أقدم على جريمة أو جنحة، فهو مرشح للقيد الأمني؟ أو قد تقوم الوزارة بعمل دراسة سيكولوجية ومن يحرز الدرجات المتدنية يحرز معها قيدا أمنيا كذلك؟ جائز أن يكون الشكل هو المعيار؟ الشخص طويل القامة، عريض المنكبين “شلولخ” على رأي عادل إمام، يكون أكثر قبولاً للقيد من غيره ضعيف البنية، صغير القد؟ وإذا كانت الوزارة تملك حق الاحتراز من الناس بوضعهم في قائمة سوداء قبل حتى أن يقعوا في الخطأ أو يقدموا عليه، أو قادرة على منع وقوع المصيبة أوعلى المعاقبة المتقدمة على الذنب، فلمَ لا تفعل ذلك مع الكويتيين والوافدين كذلك؟
بعد أن تبادلنا التصريح هذا على الواتس آب أتت تعليقات عضوات مجموعة 29 غاية في الكوميدية السوداء الحزينة. تشير منى العبدالرزاق إلى مأساة التناقض قائلة “قيد أمني وأسيبك؟ هذا احتراز؟ يعني اللي عليه قيد يحترز واللي ما عليه قيد ينطلق؟ القانون هو الرادع ليمنع الإنسان من ارتكاب الجرائم مو القيد”، أما رنا العبدالرزاق فتعلق على حقيقة أن القيد يستهدف الحياة بأكلمها فقالت “أصلاً شخص أنت مشتبه فيه بدل ما تطبق عليه القانون تخليه طليق لكن مقيد بحياته وبسبل العيش والعمل وكل شيء؟ بذلك أنت تريد أن تنهي الجريمة؟”.
شيخة المحارب أطلقت اقتراحاً نارياً: “إذا كان قيد البدون للاحتراز من جرمه، هل يمكن أن نضع قيد احتراز لمن نخشى عنصريته؟” أما لمى العثمان فمثلت الوضع خير تمثيل بقولها “القيود الأمنية “الاحترازية” تذكرني بطفلة ضربت أخاها مقدما “احترازياً” خوفاً من أن يكسر ألعابها، أما مواد الدستور التي تنص على أن “العقوبة شخصية” و”الناس سواسية في الكرامة الإنسانية” و”المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية” وغيره من المواد، فلن تفهمه تلك الطفلة القاصرة، لذلك هي تضربه احترازياً”. رنا الخالد أطلقت تعليقها الذي أضحكنا بشر بليته “بهذا المنطق لنضعهم في السجن احترازياً”.
تلك إذن هي طريقة الاحتراز من شخص تتوقع منه وزارة الداخلية أن يقوم بجريمة: تضع عليه قيداً أمنياً وتتركه في الشارع؟ الفكرة بمجملها غير ممكنة التركيب، كيف تقر الوزارة بجريمة لم تقع، وكيف تعاقب على جريمة لم تقع بقيد أمني، وكيف بعد أن تضع قيداً أمنياً تترك الشخص “مجرم المستقبل” طليقاً في الشارع؟ عموماً، تلك ليست هي المرة الأولى التي تأتي فيها حلول قضية البدون من منطلق يتهم الدولة بحد ذاتها، فأن تطلق الدولة على البدون مسمى مقيم بصورة غير قانونية، ثم تفتح لهم جهازاً، وتصرف لهم بطاقات وتسحبها منهم، وتدخلهم مدارس ثم تعرقل استمرارهم، وتعطي العسكريين منهم بيوتاً وتأخذها مجدداً، أفليس فتح جهاز قائم على شؤون البدون ومحاولة تنظيم حياتهم داخل الكويت اعترافاً بقانونية إقامتهم؟ كيف تعطيهم بطاقة وتسميهم مقيمين بصورة غير قانونية، ألا يستوجب، وفوراً ترحيل من ينطبق عليه هذا الوصف؟
قيود احترازية؟ على مقيمين بصورة غير قانونية؟ عندهم بطاقة رسمية؟ مكتوب على ظهرها: هذه البطاقة لا تعد تعريفاً رسمياً بالشخصية؟ وبعضهم يلبس ملابس العسكر الرسمية؟ كل هذا مع بعضه؟ أكيد، آخر كلام يا سعادة الوزير؟