تحميل إغلاق

ليس بكافر

ليس بكافر

لا أعتقد أن خطباء وزارة الأوقاف قد ارتكبوا وزراً في خطبتهم التي أثارت اللغط مؤخراً، كما أنني لا أعتقد أن اللغط قد قام على ما يستحق فعلياً في هذه الخطبة. أولاً، لا أرى حقيقة أن خطباء الجمعة قد أذنبوا حين اتهموا المرأة السافرة بالانحلال والتبرج، لا أعتقد أن لهم خياراً حقيقة غير ذلك. الموضوع ليس رأياً يقال لهم حرية تبيانه، الموضوع متعلق بفهم شرعي وتفاسير دينية تبنى وما زالت منذ مئات السنوات على فهم ذكوري خالص للشريعة، قائم على أسلوب قسري لتحقيق انضباط والتزام الأفراد.

لذلك، لا تبدو المشكلة حقيقة في قول هؤلاء الخطباء، المشكلة أعمق وأخطر، المشكلة كامنة في أيديولوجية عميقة متكاملة تحتاج لإعادة فهم وصياغة وتفسير. إذا ما أرادت المرأة أن تحفظ كرامتها وتحقق مفهوم حرية الاختيار لنفسها، فعليها، كما على الرجل ليحقق الأهداف ذاتها لنفسه، مقاومة فكرة الترهيب والترغيب أولاً حتى يتحقق مفهوم حرية الاختيار الحقيقي والذي لا يمكن أن تقوم له قائمة إذا ما كانت هناك تهديدات بالعذاب أو ترغيبات بالشهوات. ومن ثم، على المفكرين نساءً ورجالاً، إعادة فهم وصياغة وتفسير المفاهيم الدينية لتتواءم مع المفاهيم الحالية للحقوق الإنسانية والحريات الحقيقية، ولتتوازى والفلسفة المعاصرة لعلاقة الإنسان بربه التي يجب أن تقوم على المحبة والثقة لا الخوف والطمع.

وإذا كان ولا بد لغضبة، فالأولى بالنساء والرجال أن يغضبوا في الواقع مما ورد في الخطبة من نقد للدعوة القائمة حالياً (حسب أدائهم) “إلى وحدة الأديان ودعم الفلسفات الباطنية والروحانية الملحدة”، والتي هي جملة استشكالية على أكثر من مستوى. لماذا تعتقد وزارة الأوقاف بخطبائها أن الدعوة لوحدة الأديان هي ازدراء للإسلام؟ هل يتضمن حديثهم فكرة أن الإسلام لا يعترف ببقية الأديان ولا يدعو لوحدتها وتهادنها؟ هل تتهم الوزارة وخطباؤها معتنقي الفلسفات الباطنية والروحانية بالإلحاد؟ هل تكرر الوزارة الفكر الجاهل ذاته “البوذيون يعبدون صنما والهندوس يعبدون البقر؟” لماذا تضرب الوزارة في مفهوم الإلحاد والدستور الكويتي ضمن للفرد حرية الاعتقاد المطلقة، والتي، كما ورد في المذكرة التفسيرية للدستور، تتضمن الاعتقاد من عدمه؟

أعتقد حقيقة أنه إن كان ولا بد لغضبة، فالمستحق منها هو تجاه هذه الجملة الكارثية التي تضرب عددا كبيرا من البشر وتدعو لعداء الآخرين ومخالفة أحد أهم مبادئ الدستور. أما موضوع سفور المرأة وفجورها، فلا يغضب لهذا الحد، أما اعتدنا بعد على هذا الخطاب؟ ألا نتحمل مسؤوليتنا تجاهه؟ أليس من المضحك أننا نحارب لتغيير جملة، في حين أن خلفها تقف منهجية كاملة متكاملة مجهزة لتهاجمنا من كل الزوايا؟ لا تغضبنَ على الناقل، حاسبْنَ الفكرة، الفكرة الكاملة هي مكمن المشكلة والحل.

اترك تعليقاً