عادي… جداً عادي
كل سنة ذات المذلة، لا إهانة تنقص ولا تعسف يقل، يحين موعد تسجيل الصغار في المدارس، يتجه الكويتيون البدون إلى مدارسهم الأهلية المتهالكة الموجودة خلف حدود الحياة، والتي لربما نأنف نحن أن نخطو خطوة واحدة داخلها، مدارس تعزل صغار البدون عن صغار الكويتيين وهم في الشكل واللسان والدين والطبع والبراءة واحد، مدارس تفصل الحيوات والأعمار والتطلعات والأماني، مدارس تشهد أننا شعب متدين محافظ من حيث طبقة المكياج العلوية التي بمجرد أن نمسحها عن وجوهنا تظهر بثور العنصرية والطبقية بدمامتها وتقرحاتها. أتساءل كثيراً، هؤلاء المؤمنون المخلصون، الذين يدّعون إيماناً نفاذاً فيغضبون منا، نحن الذين نسائل ونناقش، هؤلاء الذين يؤمنون بوجود جهنم الحارقة، كيف يرقدون على أجنابهم وهذا القهر للطفولة يشتعل بيننا؟ لنترك الضمائر لأصحابها ولكن ألا يخشون جهنم التي بها يؤمنون أشد الإيمان؟
ليس هذا موضوعي، تلك فورة غضب سأتركها على الصفحات ترسم خطوطها. أعود فأقول، كل سنة في ذات الشهر، تتجدد المذلة ويتبدى العذاب، كل البدون غير المسجلين في الجهاز المركزي، المنتهية بطاقاتهم الصالحة، أصحاب الجوازات المزورة، وغيرها من حالات غياب الإثبات، كل هؤلاء يعاقب أطفالهم أصحاب السنوات الست بالمنع من الدخول للمدارس. عدم التسجيل وانتهاء البطاقات والجوازات المزورة هي نتاج دفع حكومي وتعسف قراري عقّدا المسألة ورميا بأصحابها في غياهب شبكة معقدة من أوراق لا تصدر وإجراءات لا تتم، لكن ما علينا، يعني الله خلقنا أفضل منهم، نرفس النعمة؟ هي الدنيا هكذا، فليبقوا هم في معاناتهم ونبقَ نحن في عليائنا. لا بأس، لكن ماذا عن الصغار؟ بأي ذنب يدفنون في تراب الجهل والحرمان؟ أليس هذا نوعاً من أنواع الوأد؟ لن أناقش الجانب السياسي والاجتماعي والتاريخي الذي أوصل حال عديمي الجنسية إلى ما هو اليوم في الكويت، فالنقاش ضائع وسط الصمت العنصري والتجاهل الطبقي، إذاً ليكن آباء هؤلاء من يكونون، أشرارا، متسللين، مفجري تشرنوبل، خارقي الأوزون، ليكونوا ما يكونون، هل للصغار ذنب؟ أيؤخذون بجريرة الكبار؟ لماذا يحدث ذلك كل سنة؟ أهي لذة ذل الآخرين وإجبارهم على الرجاء و”حب الجباه والخشوم” حتى يتحقق تسجيل الطفل الصغير في مدرسة متهالكة حزينة المستوى؟
يا رب ألف مبروك على الكويت “مركزها الإنساني”، منها للأعلى إن شاء الله، ولكن يستوجب أن نذكر ها هنا أن الكويت وقعت على اتفاقية حقوق الطفل سنة 1989 والتي تنص على:
(المادة ٢٨)
١- تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في التعليم، وتحقيقا للإعمال الكامل لهذا الحق تدريجيا وعلى أساس تكافؤ الفرص، تقوم بوجه خاص بما يلي:
(أ) جعل التعليم الابتدائي إلزاميا ومتاحا مجانا للجميع.
(ب) تشجيع تطوير شتى أشكال التعليم الثانوي، سواء العام أو المهني، وتوفيرها، وإتاحتها لجميع الأطفال، واتخاذ التدابير المناسبة مثل إدخال مجانية التعليم وتقديم المساعدة المالية عند الحاجة إليها.
(ج) جعل التعليم العالي، بشتى الوسائل المناسبة، متاحا للجميع على أساس القدرات.
(د) جعل المعلومات والمبادئ الإرشادية التربوية والمهنية متوافرة لجميع الأطفال وفي متناولهم.
(ه) اتخاذ تدابير لتشجيع الحضور المنتظم في المدارس والتقليل من معدلات ترك الدراسة.
٢- تتخذ الدول الأطراف كل التدابير المناسبة لضمان إدارة النظام في المدارس على نحو يتماشى مع كرامة الطفل الإنسانية ويتوافق مع هذه الاتفاقية.
كما يستوجب التذكير أن لهذه المواد قوة القانون على أراضي الدول الموقعة. لا بأس نتنازل عن كرامة الطفل الإنسانية الواردة في نقطة 2، “مش لازم نحبكها أوي”، وندير رؤوسنا عن حقيقة أن عددا من الأطفال بقوا في ساحات المدارس خلال الأيام الماضية الحارّة محرومين من الدخول لأي صف من صفوف المدرسة بسبب المشكلة، ولنغمض أعيننا عن رسوم الامتياز، التي يعلم الله وحده كيف أجيزت لهذه المدارس المتهالكة، وعن عجز الآباء والأمهات عن تسديد هذا الفرق المادي الذي للحظة كتابة المقال يرفض الصندوق التعليمي سدادها، “شوية” معاناة في سن السادسة هو شيء جيد، يقوي القلب، فلا بأس، لكن على الأقل بعد إذلال الأبوين وإهانة الطفل في المدرسة ألا تفتح الأبواب ويسمح للأطفال بالتحصل على هذا الحق الأساسي الذي وقعت عليه الكويت بالحبر الأصلي، حق التعليم؟
نعلم أنهم للتو أقروا آلية لتسجيل هذه الحالات، والتي على إثرها يجب أن يذهبوا إلى هنا ثم هناك، ثم يعودوا إلى هنا ولربما يتحقق المراد أو لا يتحقق، ونعلم أن اللجان شكلت والأمور رتبت، فقد أخذ البدون الجرعة السنوية من الذل، وفاتت بخير، كلهم “كم” طفل تأخر تعليمهم وكسرت قلوبهم وذلوا بين أترابهم، ليست كارثة. وعليه نشكر إدارات الدولة بهذه المناسبة السنوية المجيدة، ومبروك، مبروك يا كويت، يا حرقة قلبي عليك.