سكرة
في أيام «العرس الديمقراطي»، وصفٌ ماسخ الطعم، يتقلب البلد على جمر الفرعيات وشراء الأصوات والصفقات التي تتم أسفل الأغطية الزاهية، في أيام العرس يضرب ويعذب بشر تصنيفهم خارج نطاق الإنسانية، يقبض عليهم عشوائياً، وعندما أرادت «الداخلية» تحديد صفات الاشتباه التي تستدعي القبض، حددت علم الكويت وصورة سمو الأمير.
عندما ينتحر الإبداع على أبواب المشاكل وانتهاك الحقوق، عندما يغيب الحس الرفيع بتذوق الفن والشوق الجامح للشعر والمسرح، عندما يجف القلم هلعاً من رطوبة الظلم وتدفق الدماء، فلا تعود تكتب، أو تقوى على أن تكتب سوى عن العذابات، لا يعود قلمك سوى مستجدٍ لشيء من الحرية والعدل، أقصى الأمنيات التي يلطخها حبره هو أن يتوقف الأذى، فقط يتوقف الأذى، عندها، تموت الروح داخل الإنسان، عندها يتحول إلى آلة تدفع لا روحاً تخلق وتبدع.
أشتاق إلى الكتابة في الأدب، أن أكتب كلمات أغنية فأوصّل معانيها بخوالج الروح، كما كنت أفعل في الماضي، الماضي الذي هو بضعة أشهر خلت، وما أبعد هذا الماضي الآن، كم جفت الروح وتهدلت الأحلام وذابت بقايا الطموحات في هذه الأشهر القليلة؟
وعمودي هذا أعتبره أنا كما غرفة معيشتي في بيتي الصغير، أكتب فيه كما أحكي لزوجي ونحن نجلس يظللنا ملاكان صغيران استأجرنا فناناً متواضعاً ليرسمهما على سقف المعيشة بسبعين ديناراً ليشعراني أن بيتي قد تحول إلى “اللوفر” الفرنسي، فإذا ما زارنا زائر، أسرعت أقبض عليه من يديه وأصعده لغرفة المعيشة ليتفرج على الملاكين، وأقف أنا خلفه وأرتب كلماتي بزهو “إنها لوحة عالمية، وضعتها على سقفي حتى تحرس إبداعي وتلهمني”.
ومن سخرية القدر أن أكثر ما فعلت هو ذرف الدموع تحت أعين الملائكة وأنا أحكي لمن يعطيني من وقته من الزوج والأولاد عن انتعاش الظلم وانتقال الإنسانية إلى رحمة الله تعالى.
لذا، لا أعرف ما أقدم في هذا العمود من إبداع مقالي أو أدبي والقلب يتقلص بين الضلوع والروح سجينة المكان والزمان، والعقل أسير أسى لا يتزحزح، يربض بلزوجة فوق الأفكار فتبدو مائعة عديمة المعنى.
في أيام “العرس الديمقراطي”، وصفٌ ماسخ الطعم، يتقلب البلد على جمر الفرعيات وشراء الأصوات والصفقات التي تتم أسفل الأغطية الزاهية، في أيام العرس يضرب ويعذب بشر تصنيفهم خارج نطاق الإنسانية، يقبض عليهم عشوائياً، وعندما أرادت “الداخلية” تحديد صفات الاشتباه التي تستدعي القبض، حددت علم الكويت وصورة سمو الأمير، فمن بحوزته هذان من الإخوة “البدون” يقبض عليه بتهمة “الحيازة” ويغيب في سجن لا تهمة تقفل بابه، وبالتالي لا دفاع يفتحه، هم هكذا، معلقون إلى أن يهدهم الخوف ويحرقهم البعد وتنتهي رغبتهم في العيش الكريم.
في أيام “العرس الديمقراطي” ترتفع المعاول، لا لتفلح أرض الديمقراطية، ولكن لتكسر جمجمة الدستور، تزورنا السيدة كرمان الحائزة “نوبل” للسلام، والإخوة “البدون” تنتهك كراماتهم جسدياً ولفظياً في السجون، وتسحق حقوقهم بعقوبات كالإرث، لكل عائلة منها نصيب، تعرج كرمان على السيد صالح الفضالة ليخبرها أننا بخير، و”البدون” بخير، والدنيا ربيع والجو بديع ولنسكر على كل المواضيع، فنسكِّر ونسكر، نزور المقار الانتخابية، نأكل من البوفيهات العامرة، نستمع إلى “أننا اليوم…” فنهتف “عاش عاش” ثم نعود للأَسرّة الوثيرة، نريح الرؤوس ونصب الكؤوس… ونسكر.