حتى نحب دون خوف
كنت أشاهد فيلماً رومانسياً كوميدياً بعنوان Ghosts of Girlfriends Past حين طرقت أذنيّ جملة مؤثرة في حوار الفيلم، حيث تقول إحدى الشخصيات: “The power of a relationship lies in the hands of the person who cares less” بمعنى أن «السلطة في أي علاقة، ستكون في يدي الشخص الذي يهتم بدرجة أقل». بدت الجملة مألوفة نوعاً ما، لتحضرني ذكرى حوار دار بيني وبين إحدى الصديقات وهي تحكي لي عن نصيحة قدمتها لابنتها أن «تزوجي من يحبك لا من تحبين، ستكونين الأقوى في هذه العلاقة». بدت لي النصيحة عملية جداً وحقيقية جداً، وذلك بحسب الهدف المرسوم من هذه العلاقة، بمعنى أنه إذا كان الهدف من العلاقة هو تملك السلطة وأرجحة ميزان القوى باتجاه الشخص المعني تصبح تلك الفكرة فاعلة جداً.
تستكمل الشخصية في الفيلم الجملة أعلاه موضحة “but power isn’t happiness” بمعنى «ولكن السلطة ليست هي السعادة» وتلك بدورها فكرة حقيقية جداً ومعروفة كذلك، فأن تكون صاحب الكلمة الأخيرة والسلطة الكبيرة في العلاقة لا يعني ذلك بالضرورة أن يكون لك النصيب الأكبر من السعادة فيها. وحقيقة الأمر، يُهيّأ لي أن السعادة كفكرة وكهدف ستختفي تلقائياً، أو هي لن تكون موجودة أصلاً في حال دار في رأسَي طرفَي العلاقة قلقٌ تجاه تملك السلطة فيها. إن الدخول في علاقة عميقة المعنى والهدف، ممتدة الزمن، منتجة للمزيد من البشر، دامجة لعقلين وقلبين وجسدين، هو عملية مقدسة لها بعد روحاني عظيم، عملية لا تحتمل أن تكون أحد خطوط تشكيلها هو السلطة تماماً، كما لا تحتمل أن تكون أحد عوامل رسمها هو المال. فكما هو الاتفاق المالي بين الزوجين مربك تماماً للعلاقة ومستهدف لإبراز أضعف ما فيها من البداية، هو كذلك التساوم السلطوي، أو التخطيط له، مربك ومريب ولا يبشر بخير أبداً.
لطالما بدت لي فكرة «مؤخر المهر» فكرة مؤذية تماماً كما هي فكرة prenuptial agreement الغربية، أو العقد المالي لما قبل الزواج، والذي قد يبدو مهماً حين يكون أحد أو كلا طرفي الزواج على درجة عالية من الثراء. تفصح كلتا الفكرتين عن ريبة في القلب، حيث تُدخل الطرفين في العلاقة بارتباك وتشكك زارعة بينهما مادة قانونية، والتي هي غير ملائمة مطلقاً للحالة الروحانية والوجدانية التي يفترض أن تسيطر على هذا العقد الفريد، لتحكم بينهما في حال وقع الانفصال. طبعاً، مقدم المهر استشكاليته أعظم بمراحل، ومعناه مؤثر لآخر لحظة في الحياة الزوجية، ذلك أنه يحدد نوعية العلاقة وطبيعة الحقوق والواجبات، مؤرجحاً ميزان القوى دائماً وأبداً باتجاه الرجل. المهر سلطة الرجل، ولربما، ودون وعي منا جميعاً، فكرته السلطوية هي ما تستدعي أماً أن تنصح ابنتها أن تختار علاقة يكون لها فيها نصيب من السلطة، وإن حرمها ذلك من النصيب في السعادة.
مؤثرة هي نصائح الأمهات الشرقيات لبناتهن، مؤثرة في معناها، حزينة فيما تتضمنه من معاناة تستدعي هذه النصائح التناورية. «كوني له أمة يكن لك عبداً»، هي النصيحة الأقدم التي نتذكرها جميعاً، والتي لربما لا تزال تقدم للشابات الشرقيات إلى اليوم بكلمات وتشكيلات مختلفة. تتعلم الفتيات، ومنذ نعومة أظفارهن، أساليب التناور والتحايل للحصول على مآربهن، فميزان القوى محكوم مقدماً. وحتى تحقق المرأة شيئاً لذاتها، لا بد لها أن تكون شارلوك هولمز طوال حياتها: تحقق وتراقب وتناور وتتحايل، لا بد لعينيها أن تكونا «في وسط رأسها»، ولا بد أن تسعى بكل قواها للاحتفاظ بزوجها، وفي الوقت ذاته تحقيق كل مآربها، وهذا لعمري لهو هدف عصيب، يحتاج إلى خطط حربية مناوراتية حياتية طويلة الأمد. لذلك، فإن أسهل السبل «للف الرجل حول إصبعك» وتحقيق مآربك هو أن تتزوجي من يحبك وإن كنت لا تحبينه، ساعتها ستحكمين وتتحكمين، دون أن يوجع قلبك الحب والشوق. يا لها من نصيحة فاعلة، يا لها من نصيحة مؤلمة كأنها سكين حاد تجري على جلد رقيق.
لو كانت حياة النساء في الشرق طبيعية، لكانت الرسالة أن ادخلن في علاقاتكن وأنتن تتبعن قلوبكن وأرواحكن، لتكن المحبة قبلتكن، ولتكن الصداقة بعد العلاقة هدفكن، وليكن التسامح والمغفرة سلاحكن الأول. لكننا لا نعيش في منطقة طبيعية ولا حيواتنا تتشكل فيها بشكل طبيعي. لذا، علينا أن نلجأ إلى هذه النصائح الشريرة، نقدمها لبعضنا بعضاً، نتوارثها كاللعنة الدائمة، نتلبسها ونحن ندوس على قلوبنا بالأقدام، أو لنا أن نقول لا للعلاقة بأكملها إلى أن يأتي من يعرف كيف يحب تساوياً، ويحيا عدالة، ويحترم تبادلاً. ساعتها، نستيطع أن نحيا بشيء من الطبيعية، ساعتها نستطيع أن نحب… دون خوف.