تفاحة
على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية سيكون للانقلاب الفاشل في تركيا، والذي هو، على ما أعتقد، مجرد حلقة في سلسلة طويلة من صراعات سياسية بدأت منذ الانقلاب الأتاتوركي ولم تنتنه بعد مع انقلاب 2016 الأخير، أقول سيكون لهذا الانقلاب أثر كبير وغائر على كل الصعد، ولكن في مقالي هذا، أود مناقشة أثر حالي قريب، أثر حزين ومضحك في آن، يتجلى في حوار الشارع الدائر الذي يرمي لشرح الانقلاب وتحليله وتفسيره وتمحيصه حد الثمالة، دون أن يخرج قيد أنملة عن الفكرة العربية العصابية الأصيلة: الانقلاب مؤامرة إيرانية. وفي حين أن لإيران وسياساتها الخارجية والمخابراتية دورا كبيرا في مشاكل الشرق الأوسط، فإن مبالغات أصحابنا وتمسكهم المستمر بنظرية المؤامرة جعلت من الصعب تصديق كل ما يقال، وحوّلت الاتهامات لمادة فكاهية نتندر بها، كمثل الكاريكاتير الذي يظهر غربياً تسقط على رأسه تفاحة ليكتشف الجاذبية وعربياً تسقط على رأسه تفاحة فيصرخ: إنها إيران.
وقد كتب الكثير من “محللينا السياسيين” ينظّرون حول الانقلاب، فكان منهم د. فهد الخنة الذي قال “من فرح بالانقلاب الفاشل في تركيا هم الرافضة واليهود والنصارى والخوارج والمرجئة والليبراليون وهم كذلك ضد السعودية حرسها الله هل عرفتم عدوكم”، وفي حين أنني لا أعرف ما علاقة القائمة المذكورة بانقلاب تركيا السني/سني الأطراف، والذي هو في الواقع ذو عمق سياسي بعيد عن الطوائف الدينية أصلاً، لكنني والله زعلت على وضع الليبراليين في القائمة. يعني رافضة ويهود ونصارى وغيرهم، أنت حر معهم يا دكتور، لكن الليبراليين المساكين، مالك وهم؟ في تركيا كانوا طرفا مؤيدا لإردوغان في الواقع ومع الشرعية التركية، وفي العالم العربي كلهم خمسة أو ستة أشخاص و”متزاعلين” أصلاً، دعك منهم يا دكتور وابق مع الرافضة، سوق تبادل الاتهامات في هذا المجال مفتوح وقوي، لن تتعب تسويقاً للبضاعة فيه أبداً.
فمثلاً، انظر يا دكتور في تحليل الشيخ مشاري العفاسي الذي يقول “فشل الانقلاب العلوي في تركيا نعمة من الله وأمان للعباد والبلاد، حقن الله دماء المسلمين وأصلح أحوالهم في كل مكان وعصمنا الله من مضلات الفتن”. الشيخ العفاسي مباشر الرمي واضح الهدف، من قام بالانقلاب هم العلويون وعسى الله يخلصنا من فتنهم وانتهينا، لكن يهود ونصارى ومرجئة، وهذه الأخيرة وحدها تحتاج بحثا مطولا لمعرفة من أصحابها وما فكرهم، ثم خوارج وليبراليين، كثير يا دكتور. كن مباشراً وارم سهمك على المعنيين دون أي مناورات، هم الرافضة، والذين تكرمت أنت بشرح الفرق بينهم وبين الشيعة في فيديو لاحق. وعلى أنك وضحت أن هذا الفرق يستتب في أسلوب الحديث تجاه الصحابة وزوجات الرسول، وهو فرق مهم وقوي وإن كان المعظم لا يعتقد به ولا أعتقد أن له أصلا لفظيا تاريخيا أو فلسفيا، فكلمة الروافض مثل كلمة النواصب تطلق على كل الشيعة كما على كل السنّة عند العامة الطائفيين، إلا أنني ما زلت لا أرى علاقة لهذا الفرق بين الروافض والشيعة الذي تكرمت أنت بشرحه بالانقلاب الذي حصل في تركيا. ومع ذلك فأنا ممتنة لرميك الاتهام عليهم، هؤلاء أم أولئك، لكن الليبراليين، أرجوك اتركهم في حالهم دكتور.
وفي النهاية، ومن حيث تصنيفي أنني ليبرالية، وأتمنى أن أكون أهلاً لهذا التصنيف الجميل، فإنني كنت ضد الانقلاب ومع الشرعية التركية، في الواقع الانقلابات العسكرية بطعمها المخابراتي هذا لم تعد، في رأيي، تصلح لزمننا المعاصر وسياساتنا الحديثة مهما كان هدفها الإصلاحي. والآن أنا ضد التعسف والقهر والاستبداد الواضحة على المنحى التركي لما بعد الانقلاب، فالتصفية لم تكن في يوم منهجية ديمقراطية، ولكنها دوماً ما كانت منهجية الدكتاتور المنتصر الذي كنا نتمنى ألا يكونه إردوغان، فيقف مثالاً علمانياً ليبرالياً ديمقراطياً قوياً خصوصاً بعد مساندة شعبه لشرعية النظام، مظهراً الوجه الديمقراطي المشرق للمنتصر. إذاً ها أنا ضد الانقلاب وضد سياسات إردوغان في آن، فمن أكون، ليبرالية أم صفوية أم الأنكى والأمرّ: ليبرالية صفوية في روح واحدة؟
المهم في الموضوع، اتركوا الليبراليين في حالهم، وعليكم بالرافضة أو الصفويين، هم متعودون على اتهامات التخابر والخيانة. الليبراليون لا تتعدى اتهاماتهم شوية فساد على شوية عداء للدين، لكن مخابرات وانقلاب وحشود عسكرية، كثير علينا والله.