تحميل إغلاق

جروح

https://www.aljarida.com/articles/1461865176981744900/

جروح

بشللي وعجزي ودموع الذل أكتب مقال اليوم، من بين الأحداث أكتبه علّه يخفف من اللوعة… ليست السياسة أو المواطنة أو المعاهدات الدولية، ولكنها الغرائزية البشرية تفيض بقلبي فتجعل من ضرب بشر من بني جنسي والاعتداء على كراماتهم وتكميم أفواههم والتنكيل بأجسادهم أمراً يخرج عن نطاق القبول الإنساني، أمراً حارقاً ينهش القلب أياً كانت الظروف المحيطة به أو الدافعة إليه… لا يهم، كويتي أم غير كويتي، مستحق الجنسية أم غير مستحق، متسلل أم مقيم، عراقي أم إيراني، لا يهم، ما يعرفه قلبي هو أنهم بشر، مثلي تماماً، يؤلمهم ما يؤلمني، يفرحهم من يفرح قلبي، يحلمون بذات الفرحة لأبنائهم ويبكون بذات الدموع أحزانهم.

هناك خلف حدود العزلة تنهمر القسوة، هناك خلف حدود الجهراء والصليبية والأحمدي، حيث البشر غير معرفين، حيث المعاناة خبز اليوم، والمهانة غموس له، حيث الأحلام خضراء بعفنها من طول الانتظار… هناك، نناظرهم من بعيد، وكأن حواسهم أقل من حواسنا، مشاعرهم بدائية لا ترقى إلى آلامنا وأحلامنا، أجسادهم آلية لا تشعر كما أجسادنا، هناك هم يقبعون، تحت عزلة فرضتها أفكارنا وتبلد مشاعرنا، فوقية شاهقة نعيشها، فنسينا كيف يشعر ويتألم البشر.

بعد أحداث اليوم هذا، الجمعة، لم تعد الفكرة يستحقون أو لا يستحقون، كاذبين أو صادقين، أحداث اليوم الجمعة لم تعد تخيفني عليهم، أهلنا «البدون»، بل باتت تخيفني علينا، نحن الكويتيين، ننتمي إلى ذات الجنس، نعيش على ذات الأرض، ذات الهوية والعقيدة، ولا نستطيع… بالله لم لا نستطيع أن نشعر بهؤلاء البشر؟ أغنياء أو فقراء، متعلمين أو جهلاء، في صلب حياتنا تتوحد الأحلام والآمال، في عمق نفوسنا تتساوى المخاوف والآلام. هذه السيدة الستينية التي تعيش في منزل عشوائي مهترئ، لم تتعلم في مدرسة، لم تسافر إلى دنيا أخرى، مقهورة الفؤاد مفجوعة النفس، تتحدث بلكنة أو بدونها، لها ذات آمالي وترعبها ذات مخاوفي أنا المتعلمة المطمئنة «الكويتية الأصل». جسدها يتأذى كما جسدي وقلبها ينفطر على فلذات الكبد كما قلبي، لكنها مطلوبة أن تتحمل وتتأسى، أن تعاني وتجوع وتمرض، أن تبكي وتخاف وتتألم كما لم أفعل أنا في حياتي كلها، وأنا لا أفهم هذا المنطق، لا أفهم هذا المنطق، فهو خارج حدود الإنسانية، بل خارج حدود غريزة كل مخلوقات الأرض.

وعدت ووفيت يا سيدي وزير الداخلية، والرأي العام في أغلبه يهلل لك، فهنيئاً لك ولنا استقرار الكويت وقمع لغو الإنسان فيها… ضربت بيد من حديد، بالقنابل الغازية، بالهليكوبترات الحوامة، اصطدتهم كالأرانب الطريدة واعتقلت كراماتهم، من أجل الأمن، من أجل السلام، من أجل الحرية، فهنيئاً لنا سلاماً لا يعرف الإنسانية وأمناً نتبخر به على عود أجسادهم المحروق… هنيئاً لنا حرية مكبلة بقيود قلوبهم. لا تقل لي متسللين، لا تقل لي كاذبين، لا تقل لي عراقيين، إيرانيين، متآمرين، كارهين، متنفذين، جواسيس، إرهابيين، بل دعني أقول لك: آباء وأمهات، أبناء وبنات، أحلام وآمال، مخاوف وآلام، بشر كما أنت وأنا تماماً، حظهم وضعهم هناك خلف الحدود وحظي وحظك وضعانا هنا أمامها. الموضوع أبسط وأعمق من كل التحليلات السياسية والقياسات الداخلية والخارجية، بساطة وعمق الكينونة الإنسانية التي تستحق الاحترام والعناية والرحمة أينما وكيفما وحيثما كانت.

في ظل يأسي وذلي وعجزي اتصلت بوالدي، بكيت قلة حيلتي على التلفون، فهدأ من روعي وحاول أن يقلل من شعوري بالذنب، وغدا الجمعة سيأخذني في حضنه ويطمئنني أن كل شيء سيكون بخير، وسيحميني إذا ما تعرض لي أحد ويظللني بقوته ومواطنته وحتى بعلاقاته، سأكون بخير يوم غد أما «هم» فلن يكونوا، سينتهي أساي غدا أو بعده، أما أساهم فيستمر، سأنام وينام نواب الأمة وينام وزير الداخلية وينام الحرس والمباحث وأمن الدولة والشرطة، ويسهرون هم يرعون مأساتهم، ولن نصحو إلا لنزيد العذاب ونضغط على موقع الألم ونرشرشه بالملح.

في مقال سابق قلقت على قيمنا، واليوم لا أدري ما بقي منها حتى أقلق عليه.

«آخر شي»: لا أعرف متظاهرين في العالم يتظاهرون حباًً في الوطن ورغبة في الانتماء إليه إلا متظاهرينا، صور أياديهم حاملة أعلام الكويت فوق الرؤوس في مواجهة أنابيب المياه ودوريات الشرطة والقنابل الخانقة؛ هي صور سيعلقها التاريخ في رقابنا إلى الأبد.

«آخر آخر شي»: إدانات في حادثة قتل الميموني هي بلسم على القلوب، ننتظر أحكاماً قاسية وإجراءات رادعة تلف قلوبنا «بشاش» الأمل في مستقبل «أنظف».

اترك تعليقاً