«تشرب شاي»؟
حالة من الترهل، إدارياً، وسياسياً، وتنموياً، بل حتى منطقياً، تجدها منعكسة ليس فقط على أساليب التعامل الحكومية بل حتى على لغتها الخطابية. من الضروري جداً للجهات الحكومية في دولنا “النامية” أن تعين كتبة محترفين وخبراء خطابة يساعدون أجهزتها في إصدار تصريحاتهم سواء المنطوق منها أو المكتوب و”الشور” عليهم بصحة وفائدة أو ضرر الخطاب المنتوى. خذ عندك مثلاً الرسالة الموجهة من الأستاذ صالح الفضالة رئيس الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع البدون للوزيرة ذكرى الرشيدي بتاريخ 28 مايو من هذه السنة، الذي تم تسريبه قبل أيام قلائل، والذي يترجى فيه الأستاذ الفضالة من الوزيرة “اتخاذ الخطوات اللازمة نحو مواجهة قرارات وتوصيات الهيئة”، إشارة إلى الهيئة الوطنية لدعم حل قضية “البدون” التي تكونت على إثر المؤتمر الأول الذي أقامته مجموعة 29 حول موضوع عديمي الجنسية في الكويت.
أولاً، نحن نشكر الأستاذ الفضالة الذي أعلن من خلال خطابه الدور المؤثر والفاعل للمجتمع المدني، خصوصاً عندما تجتمع 22 جهة منه، حسب ما جاء في رسالته بحد ذاتها، لتشكل هيئة وطنية لحل المأساة الإنسانية الأكبر في تاريخ وطننا. هذه الرسالة تعبر عن مخاوف مستحقة تماماً من دور المجتمع المدني وقدرته على التغيير بعد أن يطفح به كيل الظلم الإنساني الذي قد يودي بالمجتمع كله إلى أعماق وادٍ سحيق نقف حالياً على طرف هاويته.
ثانياً، نحن نستنكر تماماً على رئيس جهاز حكومي أن يدعو وزيرة في الحكومة للحجر على مؤسسات المجتمع المدني و”اتخاذ الخطوات اللازمة نحو مواجهة توصيات وقرارات” هذا المجتمع. هنا، لو كان هناك مستشار أو خبير “تعبيري” لشار على الأستاذ الفضالة وجهازه بصياغة أفضل، تتجنب الطلب المباشر من وزيرة قمع المجتمع المدني وإيقاف حراكه، ولو من باب الدبلوماسية والحصافة التخاطبية.
ثالثاً، نحن نستغرب أن يخاطب الأستاذ الفضالة الوزيرة بشأن توصيات يبدو أنه لم يطلع عليها، فقد تكرم هو ولخص خطة دعم حل قضية “البدون” التي تبنتها الهيئة بقوله “اعتماد مسمى عديمي الجنسية والتوقيع على اتقافية عديمي الجنسية” في حين أن الخطة تتكون من ثلاثة محاور طويلة تتلخص في محور الحقوق الإنسانية، ومحور التأهيل وإعادة الدمج، ومحور التجنيس، وما التسمية وتوقيع الاتفاقية سوى بندين صغيرين بين بنود عدة لأحد المحاور الثلاثة المذكورة.
رابعاً، يتعاظم استغرابنا من ذكر الأستاذ الفضالة لأن اتفاقية عديمي الجنسية ستلزم الدولة “بتوفير كافة حقوق المواطنة لهؤلاء” على حد تعبيره، فإما أنه يعني أن الاتفاقية ستلزم دولة الكويت بتجنيس كافة عديمي الجنسية، وهذا ليس صحيحا؛ مما يدل على أن الأستاذ الفضالة غير مطلع على الاتفاقية، حيث إنها تكفل حقوق عديمي الجنسية بما فيها حق التقاضي، وترتب عملية التجنيس والتوطين للمستحقين بما يحفظ حق الدولة كذلك، أو أن الأستاذ الفضالة يشير بكلمة “حقوق المواطنة” إلى الحقوق الإنسانية، وفي هذا اعتراف منه بأن “البدون” الكويتيين محرومون من حقوقهم الإنسانية المفترض توافرها لكل من يعيش على أرض الكويت.
خامساً، نحن “نستهول” تصريح الأستاذ الفضالة بأن “المقيمين بصورة غير قانونية في البلاد لا تنطبق عليهم هذه الاتفاقية”. إذاً هم مقيمون بصورة غير قانونية، ألا تنطبق عليهم عقوبة الإبعاد الفوري من البلاد؟ لمَ تفتح لهم جهازاً بعدد من الشخصيات الإدارية الكبيرة وتصدر لهم بطاقات تعريفية وتحصرهم في إحصاءات وقوائم؟ يعني مقيمين بصورة غير قانونية وتفتح لهم جهازاً قانونياً؟ ثم يصدر الجهاز القانوني بطاقة حكومية مكتوب على ظهرها “لا تعد هذه البطاقة تعريفا رسميا” أو شيئاً من هذا القبيل؟ ما هذا الإعجاز في جمع المتناقضات؟
سادساً، نحن نستصعب ونستمرر (من المرار) بلع “الكليشيه” القديم الذي يتردد منذ خسمين سنة: “يملكون وثائق لدولهم الأصلية وقاموا بإخفائها بهدف التمتع بحق المواطنة في البلاد”. “خلاص يا سيد، وصلنا إلى الجيل السادس من “البدون” وأنتم لا تملكون سوى ذات الجملة؟” “طيب هات ما عندك”، أظهر الوثائق ونحن نشكل لك الهيئة الوطنية لإعادة المزورين إلى بلادهم. الحجة على من ادعى، والأستاذ الفضالة لا يدع مناسبة إلا يذكر فيها إخفاء “الجناسي” وامتلاكه لجوازات 67 ألفاً من البدون حسب آخر تصريحاته، “طيب أظهرها وخلصنا، نشوف الوثائق مرة قبل لا نموت”، ولتتخذ الدولة الإجراءات اللازمة لإعادة من يمتلكون وثائق لبلدانهم ونغلق الملف فنرتاح وترتاح حضرتك منّا.
سابعاً، نحن نستهجن طلب رئيس الجهاز المركزي من الوزيرة “إغلاق الباب أمام أي تحركات سواء محلية أو دولية لتغيير وإعاقة مسار المعالجة الذي انتهجته الدولة”، فهل هذه دعوة من الأستاذ صالح الفضالة لإغلاق الباب أمام المؤسسات الإنسانية الدولية؟ وكيف لشخص يترأس جهازاً معنياً بأكبر قضية إنسانية في الكويت أن يلمح إلى أن هذه القضية شأن داخلي متناسياً أن القضايا الإنسانية لا يمكن في يوم أن تكون قضايا خاصة بل عالمية تخص العالم بأكمله؟ كيف له أن يتخطى دور المؤسسات الإنسانية العالمية بل يحرض عليها؟
ثامناً: ممكن نعرف “مسار المعالجة” الذي تنتهجه الدولة ويشير له الأستاذ الفضالة في حل قضية “البدون” بخلاف إصدار البطاقات الملونة والتضييق عليهم “عشان يطلعون جوازاتهم”؟ مسار الدولة هو إصدار بطاقات غير معترف بها رسمياً وخنق ناس “مقيمين بصورة غير قانونية” على اعتراف الدولة؛ ليظهروا أوراقهم ويحلوا مشكلتهم بأنفسهم؟ الدولة تنتظر إلى أن يتصرف الشخص “المقيم بصورة غير قانونية” ويدين نفسه؟ هذا هو المسار؟
تاسعاً وأخيراً نحن نستظرف طلب الجهاز المركزي “تنظيم لقاء بعض مؤسسات المجتمع المدني لتقديم عرض مرئي للتعرف على قضية المقيمين بصورة غير قانونية”، طيب للتو أنتم طلبتم مواجهة توصيات هذه الجهات، الآن تدعونهم ليشربوا شاياً ويشاهدوا عرضاً مرئياً؟ ألا ترون أن هذا العرض “متأخر شوي”؟ يعني أحفاد أحفاد “البدون” ولدوا وأنتم تريدون عمل عرض؟ كنا على أتم استعداد لمد أيادينا، أرسلنا ندعوكم لحضور المؤتمر الأول لعديمي الجنسية في الكويت، وكنا موفرين “بروجيكتر” إذا كنتم ترغبون في “عمل عرض”، وأخبرناكم أننا سنضمن لكم الفرصة كاملة للإفصاح عن الرأي الحكومي ونعدكم بحسن الإنصات، فما كان الرد؟ تهديدان على يومين متتاليين بوقف المؤتمر ومضايقة شديدة لجمعية الخريجين. بعد المؤتمر تواصلنا وناشدنا، وقلنا الحل يشملنا جميعاً، فما كان الرد؟ أنتم أخبر. المهم الآن، عندنا شباب “بدون” مختصون في اللغة وفن الخطابة، رائعون حقاً، توظفونهم؟