تربية
سعادة وزير الداخلية، معك كل الحق، هؤلاء الأحداث “البدون” لابد من تربيتهم، “بدل ما هم دايرين في الشوارع يتظاهرون، وإذا ما تظاهروا، يبيعون فاكهة أو لعب أطفال رخيصة”، معك حق، من يترك أولاده هكذا في الشوارع؟
“طيب، نرجع شوي لورا”، ونحاسب من ترك هؤلاء “الأحداث” في الشوارع؟ حكومتكم سعادة الوزير ما تحب “ترجع”، سياستها هي “اللي فات مات” وخلونا في المستقبل، والمستقبل هذا مليء بالوعود والعهود، أأعددها لك؟ كم تصريحا منذ ثمانينيات القرن الماضي وإلى اليوم لوزراء ورؤساء وزراء ورؤساء لجان معنية بقضية “البدون” “حلفوا ستين يمينا” أن القضية ستنتهي في غضون أشهر أو سنوات قلائل؟
خذ عندك سعادة الوزير:
“حل مشكلة البدون خلال أشهر” (وزير الداخلية سعد العبدالله 1973).
“الحكومة تعمل جاهدة لحل مشكلة البدون” (وزير الداخلية نواف الأحمد 1986).
“أمهلوني حتى ديسمبر لحل قضية البدون” (وزير الداخلية علي الصباح 1993).
“الحكومة بدأت حل مشكلة البدون” (وزير العدل أحمد باقر، 2004).
” لا بدون بعد 6 أشهر” (وكيل وزارة الداخلية أحمد النواف، 2006).
“حل نهائي للبدون” (رئيس مجلس الوزراء ناصر المحمد، 2010).
وأقربها يا سيدي تصريح السيد الفضالة في 2010 أنه “لا بدون في الكويت بعد خمس سنوات”، فات منها أربع، والأعداد كما هي، إن لم تزد بحكم الطبيعة… عموماً كلامهم ليس قرآناً، والظروف والمتغيرات وأمن البلد والحالة الاقتصادية كلها تؤثر وتؤجل، حفظنا الموشح كاملاً يا سعادة الوزير.
“خلاص”، كم وعد على كم تصريح نسامح حكوماتنا فيها، ومن صبّر إخواننا “البدون” خمسين سنة، يصبرهم مثلها “يعني الدنيا ما طارت”.
خلينا في موضوع الأحداث والشوارع، الكثير من أطفال “البدون” محرومون من الدراسة سعادتك، السبب أنهم إما غير مسموح بتسجيلهم في المدارس بسبب انتهاء بطاقات أهاليهم الأمنية، وإما بسبب قصور في القدرة المالية. الصندوق التعليمي يغطي معظمهم (وهذه بحد ذاتها قصة مضحكة أخرى) لكن هناك فئة لا يغطي الصندوق احتياجاتها كافة.
هؤلاء يخرجون إلى الشوارع، ثم هناك خريجو الثانوية وهؤلاء تقبل منهم قلة قليلة (فوق 90% وفقط لمن بطاقته الأمنية صالحة) في الجامعة وبعض المؤسسات التعليمية الحكومية الأخرى بقرار صدر منذ ما يزيد بقليل على السنة فقط، البقية والدفعات الأقدم في الشوارع كذلك.
الآن، من وضع هؤلاء جميعاً في الشارع؟ أهلهم؟ من الذي رفع يده وقال هم على أرضي منذ خمسين سنة لكن دمهم غير دمي، لا أريدهم أن يختلطوا بأولادي، لا أودهم في وظائف معي، لا يتعالجون في مستشفياتي ولا يستحقون حتى بطاقة مدنية تشبه بطاقتي؟
من الذي ترك الأحداث في الشارع، يكبرون ومعهم غضبهم وسخطهم المستحقان؟ والسؤال الأهم الذي يطرح نفسه بغض النظر عن المتسبب: لماذا خرج الأحداث كما تسميهم حضرتك للشوارع؟ قلة تربية فعلاً؟ حضرتك مقتنع بهذه الإجابة؟ ألا يمكنك أن ترى أي أسباب أخرى تدفع الشباب والشياب والنساء والرجال من “البدون” للخروج؟ إن كنت ترى فتلك مصيبة وإن كنت لا ترى يا سيدي فالمصيبة أعظم.
استمع إلي سعادة الوزير، وقد لا أبدو أنني أستحق منك أذناً صاغية، بس الحل موجود والله وقريب وسهل. عوضاً عن أن تواجه “البدون” وتطلب منهم تربية أبنائهم، استدر سيدي وواجه الحكومة، ذكرها بـ”وثيقة 86″ وقل لها الحل يبدأ من حرق هذه الورقة. ثم أقم، سعادتك وزملاءك في مجلس الوزراء، العدل والإحسان في من خدموا البلد في وزارتك تحديداً كما في وزارات غيرها، عشرات السنوات، أكرم أبناءهم وأحفادهم واضمن لهم عيشا كريما: تعليم جيد، وظيفة تقيهم شر العوز، ورقة ثبوتية تقيهم شر المهانة، بعهم أملاً سيدي، لا تقطعه منهم، فالإنسان الذي ينقطع أمله، يبيع. سدد دينك وبقية حكومتك في كراماتهم، بالبدء الفوري بعملية التجنيس المستحق، فالإنسان الذي يخسر كرامته، يبيع.
آخر شيء:
أليس في الحكومة مستشارون إعلاميون يشيرون عليها بما يصحّ قوله وما ينفع تلفظه مما لا يصح ولا ينفع؟ أي ميزانية تصرف على هكذا مستشارين ستكون مستحقة، ادفعوا مبالغها ولو لدفع البلاء ورفع الحسد.