تحميل إغلاق

الوعاء بما فيه

الوعاء بما فيه

تدهورت العلاقة في الفترة السابقة تدهوراً كبيراً بيننا كمواطنين ومقيمين في الكويت. تحاول الحكومة منذ زمن حل مشاكل أعداد شعب تتزايد وخدمات بلد تتناقص بكل الطرق والوسائل ما عدا الطريقة الأكثر وضوحاً وفعالية وبدهية: زيادة الخدمات للتوازي مع زيادة الأعداد، ولأن الحكومة تحاول حل المشكلة بكل الطرق عدا البدهية الناجعة، نجد أن المشاكل تتفاقم، والنفور يتزايد، والامتعاض الكويتي من الوجود غير الكويتي يشتد ويقوى. نحن بلد ذو طبيعة خاصة، نقوم على خدمات غير الكويتيين منذ زمن بعيد، تربى أبناؤنا على عقولهم، وكبرت مؤسساتنا الثقافية والتعليمية وحتى السياسية على جهودهم وأفكارهم. كنا، وإلى زمن قريب، متعايشين بلا اختلافات أو خلافات واضحة، إلى أن تزايدت الأعداد، وتزامناً مع زيادتها وإن بغير علاقة طردية معها، تزايد الفساد. جرت الأموال في الأيادي الكويتية، ونما هاجس أن الكل طمعان بنا، ومع زيادة الأموال والهواجس ارتفعت نسب الفساد، وتعامل الكثيرون مع البلد على أنه طبخة على وشك أن تفرغ، الشاطر من يغرف الغرفة الأكبر منها.

في الفترة الأخيرة ومن خلال نقاشات تزايدت على إثر قرارات مثل تخصيص مستشفيات أو أوقات للكويتيين لا يقربها غيرهم، استشاط البعض دفاعاً عن مثل هذه القرارات مبرراً أننا “نؤكل من الأجانب”. هناك شعور طاغ بين الكويتيين أن غير الكويتيين يأتون إلى البلد طمعاً ثم يملؤونه فساداً، بل إن البعض جادل أن غير الكويتيين أصبحوا يملكون سلطة في البلد، وأن إدارات مهمة تدار من قبلهم، وقرارات خطيرة، مثل هذا القائل بإعطاء بدل إيجار بأثر رجعي للمدرسات غير الكويتيات، تقر بدفع منهم.  

بكل سذاجة وكسل نرمي بمشاكلنا على “الغرباء” الذين يعيشون معنا في بلدنا على مدى عقود من الزمان، فالكويتيون هم من يحددون السياسات ويتخذون القرارات، وهم من يرسمون الخطط ويحددون الأساليب، وعلى إثرها ينفذ الآخرون، فلو أننا سلّمنا بفكرة أن هناك من الأجانب من ساهم في رفع نسب الفساد، أو أن هناك من الأطباء غير الكويتيين من يحابي أبناء جنسيته، فيعطيهم أولوية العناية الطبية كما يدعي الكثيرون، فالسؤال هو: من صمم لهذا الفساد؟ من صنع نظام المحسوبية والتنفيع من خلال العلاقات الاجتماعية وأخذ الحق بالطرق الملتوية؟

نحن الوعاء، ومن يأتي لبلدنا ويعايشنا يتشكل بتشكيلاتنا المختلفة. الكويتيون وغيرهم عندما يسافرون إلى دول تقدس القانون وتحترم المؤسسات ينضبطون بدرجة عسكرية، فلا يتجرأ منهم أحد حتى على اختراق صف صغير، أما هنا، فالوضع “حارة كل من إيدو إلو”، وهذا وضع لا نكاد نلوم عليه الآخر، فتصميمه وتنفيذه كويتي بحت، وما فعل الآخرون سوى أن اندرجوا في “سيستم” مريض صنعناه نحن، والآن نريد أن نبقيه لأنفسنا مثل كل شيء آخر في البلد. يعني نريد مستشفياتنا لنا ومدارسنا لنا وخدماتنا لنا حتى فسادنا لنا، فنحن أولى به كذلك.

نحن بلد ذو طبيعة خاصة، يقوم على خدمات المقيمين، يتعايش معهم منذ زمن، يتشكل بأفكارهم ولربما لهذه الأسباب نحن أكثر تفتحاً وانفتاحاً على الآخر من غيرنا من الجيران. تولية العناية والاهتمام وتوفير سبل الراحة للمقيم معك في البلد، والذي يصبح جزءاً منه بإضافاته المستمرة وأفكاره الجديدة وحتى استثماراته المالية الصغيرة والكبيرة فيه، هي بالدرجة الأولى من مصلحة أهل البلد، ففي ذلك ضمان لاستتباب الأمن وجودة الخدمة المقدمة وصحة من يقدمها نفسياً وبدنياً، فالمتضرر الأول (المواطن) إذا لم يلق المقيم العناية الصحية المطلوبة مثلاً، فامتلأ أمراضاً يطوف بها على غيره من الكويتيين والمقيمين، هم نحن كشعب، ستنتشر بينه الأمراض، وستستفحل في جنباته الغضبات، وستقل قيمة الخدمة المقدمة له.  إن أهم ما يحتاجه مقيم معك في البلد هو أن يشعر أنه أصبح من أهل الدار، خصوصاً في حالتنا الكويتية الخاصة جداً من حيث اعتمادنا الكبير وتلازمنا الطويل مع المقيمين. يبقى المقيم مقدراً أن للمواطن “مميزات” مختلفة، إلا أنه آمن في شعوره بأن “الحقوق” مضمونة لا يتفوق فيها عليه أحد بسبب جنسيته أو لونه أو عرقه، آمن في بقائه فلا يطرد من البلد لأتفه الأسباب، آمن في احترام الآخرين له بقوانين تدمجه بأهل البلد لا تقصيه وتميزه سلباً. بذلك سيخلص المقيم للبلد، وسيحب تقديم خدمة أفضل له، وسينصاع لقوانينه عن طيب خاطر، خصوصاً، وأشدد على خصوصاً، إذا ما رأى التزام أهل البلد أساساً بهذه القوانين.

المسألة منطقية وبدهية، تحتاج للكثير من التنظيم، نعم، لكنها أبعد ما تكون عن حاجة للأنانية والعنصرية والعنترية. عيب علينا بعد هذا الزمن أن نكيل الاتهامات ونسيء التعامل ونُقصي من هم منا وعلينا، بخدماتهم التي تسد عين الشمس. يشعر الكويتيون بأن الوضع فاسد وأن هناك استغلالا لنظامهم وخيراتهم، يجب أن يصلحوا أنفسهم ليصلح حال ضيوفهم، فالضيف على دين مضيفه، والأهم إذا أردنا الراحة والاستقرار والجيد من الخدمات فلنحسن التعامل مع ولنريح ونحافظ على الصحة الجسدية والنفسية لمن يقدمونها. إنه قانون الأخذ والعطاء بأبسط صوره.

اترك تعليقاً