حتى يرحمنا القدر
لا يمكن أن يبدل الإنسان الواعي الديمقراطية، مهما صغر حيزها أو ثقلت مخلفاتها، بشيء، لا يمكن أن يبدلها، لو ذاق طعم الكرامة المصحوبة بها، بأي رفاهية ممكنة مرتجاة مهما بلغت أهميتها أو حيويتها، ذلك أن لا أعز على الإنسان من حريته ولا أهم من تلك المساحة، مهما صغرت، لصوته ورأيه. لذلك، نحن في الكويت نحتفل ونحتفي بمناسباتنا الديموقراطية، رغم أنها تقبل علينا على فترات متقاربة أكثر مما يجب وعلى عكازتين، …
تعيش وتضحك
نحتفي يوم كتابة هذا المقال بعيد زواجنا الثالث والثلاثين، نحتفي وحدنا، بعيداً عن الأهل والأحباب في بلد الضباب في رحلة سريعة لزيارة صغيرتنا التي تدرس هناك والتي ضربنا من خلالها، أي تلك الزيارة، عصفورين بحجر، مع التحفظ على المثل العنيف، لنطفئ الأشواق للصغيرة ونشعل نار الذكريات بيننا. طوال اليوم، بدءاً من صعود الطائرة، ونحن نتعارك معاركنا، لربما القول الأدق هو أنني أنا أتعارك فيما هو يطلق ضحكاته مصحوبة بتعليقاته …
عودة العندليب
في ذكرى النكبة يُسمع رنين المعدن في الذاكرات القديمة التي رغم قِدمها لا تبهت أبداً، تتبدى الحبال الذائبة حول الرقاب الناصعة الطرية متدلية بتلك القطع المعدنية الصدئة التي كانت ذات يوم مفاتيح لأبواب خشبية عريقة، أبواب ما زالت موجودة لبيوت ما زالت موجودة، موجودة في الذاكرة والوجدان والتاريخ والمشاعر والإيمانيات والمبادئ، موجودة بقوة وثبات أكبر مما لو كانت موجودة مادياً بطابوق وتراب وخشب وزجاج. في ذكرى النكبة تحن القلوب …
«هي أشياء لا تشترى»*
كنت أستمع قبل أيام لمحاضرة مسجلة حول تاريخ الدخول في الإسلام، تحديداً في زمن النبي وما بعد زمن النبي بفترة قصيرة، حيث تكلم المحاضر عن فكرة الدخول الجمعي في الدين الإسلامي وعن دلالات هذا الفعل من حيث حقيقية إيمان هذه الجموع أو ثبات قناعاتهم بالدين الجديد آنذاك. بكل تأكيد، فإن الطبيعة التبشيرية للدينين الإسلامي والمسيحي وما يتبع هذه الطبيعة من ضرورة الحث والدفع بدخول الناس للدينين، أحياناً سلمياً وأحايين …
“حصاد العار والشؤم”.. عن الوضع البدوني، والحياة بلا هوية
في عمومها أوجاع البشرية طويلة الأمد، متوارثة، لو كانت حظًا سيئًا؛ فهو يتبع النسل إلى آخر رمق، ولو كانت وازرة فهي تزر وزر أخرى، ولو كانت خطأ غير مقصود؛ فآثاره ستظل تنقط على رأس السلالة ظلمًا وألمًا وسمعة متوارثة، هكذا يبدو مسار وجع البشرية الأكبر، وجع انعدام الجنسية.
هذا الوجع الذي لا يريد أن يختفي بعد، ولم تتمكن كل المدنية والحضارة الإنسانية والمنظومة الحقوقية الصارمة التي تتشدق بها الدول “العظمى”، وتتمسح بها …
حب المراهقة
مثل المسلسلات اللاتينية الملحمية، مثل البطولات التراجيدية غير الكلاسيكية، بل تلك السطحية الكاريزماتية الجاذبة الشرسة، مثل روايات عبير التي كنا نسربها إلى غرف نومنا ونحن مراهقات خفية عن أهالينا وكأنها مخدرات خطرة، مثل المسلسلات التركية العاطفية مئوية الحلقات، هكذا كان مسلسل «جعفر العمدة» الذي وقعت الشعوب العربية في حبه بمراهَقة وشغف. لست هنا أنتقد المسلسل حقيقة من حيث «رسالته الفنية»، فالدور الوعظي والفرض الأخلاقي الذين يتوقعهما المنظِّرون حين تقييمهم …
فساد خفي
ممارسات فاسدة صغيرة يومية، ممارسات لربما غير محسوسة بشكل مباشر، إلا أنها في تجمعها وتكومها اليومي تصنع هرماً كريه الرائحة، تبني سداً صلداً قبيحاً أمام التقدم المدني والتطور الإنساني. في زيارتي الأخيرة لمصر لاحظت ترسب هذه الممارسات اليومية تماماً كما ألاحظ ترسبها في الكويت، تختلف الأنماط ويبقى أثر الفساد واحداً. تتكوم الممارسات التي تبدو صغيرة ومتفرقة وخفيفة الأثر، لتنمو وحشاً كاسراً أمام الحياة الإنسانية الطبيعية، أمام نظام إداري قادر …