تحميل إغلاق

الجميلة فوز الفهد..

الجميلة فوز الفهد..

أكتب لك تحديداً، وإن كان المعنيين كذلك هم كل مشاهيرنا من “الفاشيونيستات” أو “المؤثرين” أياً كان المصطلح الأصح، لأنك حديث تويتر اليوم، ولأنني أعلم ثقل هذا “السبوت لايت” على العين والقلب والجسد والروح، حتى لو كان مقصوداً ومفتعلاً ممن يقع عليهم، يبقى هذا الضوء ثقيل، وستبقى آثاره معك الى حين..

لظاهر حياتك الجميل ثمن، وهو ثمن يسهل تمييزه لكل من يلقي نظرة أعمق على الجميل الظاهر. أنتم جيل يكبر أمام وسائل التواصل الإجتماعي، يخطئ في حاضر العالم أجمع، ويُعاقب جماعياً، من خلال ضغوط نفسية عامة هي أكبر من أعماركم الصغيرة وقواكم النفسية الشابة. لا أتخيل نفسي وقد تسجلت عليها كل أخطائها وهفواتها منذ بداية حياتي، كما يحدث معكم الآن مشاهير السوشال ميديا الشباب والشابات، ولا أريد حتى أن أتخيل ندمي بعدها بسنوات، حين أراجع ما كنت أقول وأفعل على الملأ كافة، كما سيحدث معك والآخرين خلال العشر سنوات القادمة. ستكبرين وسيكبر الجميع، وستنظرين خلفك وتتساءلين، هل هذه أنا؟ كيف قلت أو فعلت ذلك؟ تساؤلك هذا ليس لفداحة ارتكبتيها تختلف عن أخطاء الآخرين، إنما هو تساؤل طبيعي جداً، كلنا نمر فيه، أنا أعيشه كل يوم حين أتذكر أشياء قلتها وفعلتها من سنوات ليست بعيدة أبداً. الفرق هو أنكم توثقون كل صغيرة وكبيرة على أنفسكم، كل عدم نضج، كل تهور، وحتى كل بساطة أو سذاجة تأتونها، كما فعلنا نحن، في مقتبل حياتكم، ونعم كلنا فعلنا، كلنا بلا استثناء.

لكنك تعبت، حتى لو رأى الناس في تعبك مخملية، عملت واجتهدت في جانب ينظر له العالم على أنه فني من جماليات الحياة. تبشرين بالجمال وتصنعين منه وظيفة، وكيف يمكن للجمال أن يكون آفة؟ أحياناً ممكن، وسنعود لهذه النقطة، لكنني حقيقة معجبة بجهودكم، وإن خالفت بمخمليتها، أفكاري وتوجهاتي. في النهاية كلنا مغمورين بمخملية أو أخرى، كلنا متشاركين في هذه الحياة الرأسمالية المترفة حتى لو ادعينا غير ذلك، لذلك فإن نقدكم لتسويقكم للجمال الذي نسعى له جميعنا أو لاتخاذكم خط حياة مترف نتمناه جميعنا ليس منطقياً. أنت عملت واجتهدت لتكوين هذه الحياة التي تعيشينها، حياة مغمورة بالترف والمال والأشياء الثمينة، لكنك صنعتيها بيديك ومن حقك أن تستمتعي بها إن كان في ذلك سعادتك وإن كانت هذه الأشياء تضفى معنى وبعد ورضا في حياتك.

لكن الجمال يتحول آفة حين يتم تشييئه، معاملته على أنه شيئ أستعرضه أمام الناس متغاضية عن الأبعاد المهمة التي يمكن أن يتخذها هذا الجمال. في الجزء الأكبر منه، الجمال ضربة حظ جينية، ليس لك يد فيها لكنك بكل تأكيد أحسنت استثمارها. عملت واجتهدت لتظهري هذا الجمال في أبهى صوره ولتسوقي لأمل الحصول عليه لأخريات وآخرين أقل حظاً فيه منك. وهذا جميل، جميل أن تسعفي الآخرين للحصول على هذا الجمال الخارجي الذي نترجاه جميعاً، ولا أحد يستطيع إنكار ذلك، بل وجميل منك مجرد إحياء الأمل في تحققه، في إمكانية صناعة جزء منه لمن لم يتوافر طبيعياً له. الأمل جميل والسعي جميل ووظيفتك في ظاهرها جميل جداً، يبقى فقط أن تضفي شيئ من الجمال على الباطن.

الجمال مثل كل شيئ في الدنيا، تنطبق عليه قوانين الفيزياء، إذا فرغ ينطبق على نفسه وينعدم، يصبح بلا وجود. تعبك أنت والمؤثرين في صناعة الجمال لبناء أنفسكم ومشاريعكم وحيواتكم الجميلة لم لا يضاف اليه بعد آخر أعمق، يعطي هذا الجانب الظاهري المادي البحت عمق ومعنى وتأثير أبعد؟ لقد خلقت شيئاً كبيراً جباراً وأنت بعد شابة يافعة، فلم لا تستغلينه بما فيه الصالحين: تؤثرين في مواضيع وقضايا مهمة، وفي ذات الوقت تعطين معنى وبعد لروحك ونفسك التي بعد حين سترهقها المادية البحتة وسيخنقها فراغ المحتوى. كل صرة تحتاج محتوى، ونحن البشر صرر من أشياء عدة، لا تسمحي لصرتك أن تنطوي وتتهدل مع الزمن، املئيها دائماً بفحوى يعطيها وزن ويحفظك أنت كذلك ضد الزمن.

لن أكرر كلاماً أنا لا أؤمن بصحته قولا بأن الجمال سيزول بعد حين، فجمال هذا الزمن يتحدى الزمن، والناس يبدو أنها تصغر كل يوم، والكبار يزدادون تألقاً وجاذبية في الواقع، لذلك ليست هذه هي المعضلة. لست أقول لك ابحثي عن شيئ آخر لأن ما لديك زائل، عساه بين يديك تستمتعين بما وهبه الخالق لك وبما حققت لنفسك طوال حياتك. إنما أقول استغلي مكرمة الخالق واستثمري في تعبك واضفي على جهودك معاني أكثر عمقاً. خاطبي الناس بما يهمك ويهمهم دون إثارة أو تسطيح للمواضيع والذين قد يعرضانك لأذى نفسي ناتج عن تنمرات الكترونية والتي مهما كان أثرها الإعلاني والتسويقي، فإن تشوهاتها الروحية ستبقى لزمن خصوصاً عندما تتشكل هذه التنمرات عليكم في سن صغيرة. بامكانك أن تخاطبي الناس بين وقت وآخر بفيديو تتبنين من خلاله أي قضية تهم جيلك، بذلك ستخاطبين شريحة أوسع من هذا الجيل، تسوقين للجمال حتى لهذه الفئة القليلة التي لا تبدي اهتماماً به أو تشعر باستحالة تحققه لها، وتعمقين رسالتك وتضفين أخلاقية ومعنى للحياة المترفة المادية التي تعيشينها، والتي رغم أنها من حقك الا أن معناها وعمقها سيتغيران لو أنك أضفت هذا البعد المهم لها. سيكون طعم هذه الحياة أحلى والشعور، إن راودك وأنا متأكدة أنه يراودك أحياناً، بفارق الراحة والترف والمخملية التي تعيشينها عن غيرك سيقل تأنيبه، وسيصبح لعملك معنى أعمق وسيصبح مهماً فعلياً في الحياة، ليس فقط لأنه يسعدك خارجياً، ولكن لأنه يعطى معنى داخلي للروح من خلال تأثيره الحقيقي والمباشر على حيوات من هم أقل حظاً منك.

الواضح أنكم كلكم تُهاجمون في الغالب من أناس يتمنون حيواتكم بترفها وسعاداتها المادية. سيكون تأثير هذا الهجوم أقل ووقعه على روحك أهون لو أنك أعطيت بعد آخر لترف حياتك وأثرت إيجابياً وحقيقياً وبشكل مباشر في حياة الناس. تبني قضية، أي قضية، لا تحتاج لأن تكون عسرة أو خطرة أو متعبة أو موجعة. لتكن قضية بيئية، اجتماعية، قضية تتعامل مع جانب من حقوق المرأة بما أنك امرأة، أو لتكن قضية خيرية تسلطين الضوء على معاناة أصحابها. تسليط الضوء بحد ذاته خدمة كبيرة.

أعتذر على النصيحة العلنية، هي ليست فعلياً نصيحة، وليست موجهة لك تحديداً، إنما هي قراءة في واقع يشمل جهودك الجمالية اللطيفة والتي يمكن لها أن تأخذ أبعاداً عميقة، أبعاد مؤثرة في المجتمع وفي ذات الوقت حامية لأرواحكم ونفوسكم من أن تضيع في متاهات الترف فلا تعود تميز مصاعب الحياة ومعاناة الغير، وهذا هو الفراغ الخطر جداً.

الحقيقة أن جهودكم ملحوظة، بنيتم أنفسكم وحققتم مكاسب كبيرة الأغلبية العظمى منا لن تحققها في حياتها كلها. قبل أن يفوت الأوان، استثمروا في هذه المكاسب، في الشهرة، في الوفرة المادية، في الصوت المسموع الذي صنعتموه لأنفسكم، وقولوا شيئاً مهماً، شيئ يجد صداه عند الناس، يريح شيئ من عذاباتهم، يخفف من مادية حيواتكم، ويغلف أرواحكم وقلوبكم بعمق المعنى، وهو غلاف لو أحكي لكم عظيم، يحمي الأرواح من أن تبلى قبل أوانها ويعطي لهذه الحياة القصيرة معنى يفسرها.

وأخيراً، أذكركم وأذكر نفسي، ما نكتبه علناً سيبقى نقش على حجر يلاحقنا مدى حيواتنا. ما نقوله الآن سيكون موجود بعد ثلاثين سنة، بعد ثلاثين سنة قد لا أكون أنا موجودة، لكنك ورفاقك ستكونون موجودين ان شاء الله بأعماركم المديدة، وستقفون عند ما سجلتموه على أنفسكم باحراج وتقولون: كيف قلنا ذلك؟ من الآن خففوا هذا العبئ عن أنفسكم، إذا كان جيلنا الذي لم يكن لديه هذا التوثيق يعيش هذا العبئ الآن، فما بالكم بجيلكم الذي يوثق على نفسه كل كلمة وحركة؟ ولكي تخففوا، جاوروا تهور الشباب الطبيعي هذا بقضية مهمة جميلة، استغلوا أصواتكم الرنانة المسموعة، ساعدوا الدنيا تكون أجمل باطنياً مثلما تساعدونها تكون أجمل ظاهرياً، ستكونون وسنكون معك أسعد.

(1) تعليقات
  1. ونعم النصيحه يا دكتوره. تبني القضايا تغير الناس ويحتاج لاشخاص ذو معدن صلب. ستكون خطوه رائعه لها. لكن من جيلي المادي هذا، الغير واعي، والذي يرى المثقفين كائنات فضائيه، والذي ليس به اي هويه ثقافية انا غير مستبشر من هؤلاء الفاشينيستات . فخطوه كهذه ستحتاج تضحيه وشجاعه. والشجعان من جيلي هذا قله. لا وبل نادرون

اترك تعليقاً