ناطحة سحاب
الكثير من المال والقليل من الديمقراطية، الكثير من التطرف والقليل من الحرية، الكثير من الخوف والقلق والقليل من الثقة في مؤسسات الدولة هو ما يوصل الدول لأزمات خطرة مثل أزمة دول الخليج اليوم. دول الخليج دول صغيرة، لربما بإستثناء السعودية، مطروفة على جانب من الخليج، باطنها مليئ بالنفط وظاهرها معجون بتطرفات وعنصريات، بعادات وتقاليد، بإنقسام طائفي خطير (لربما بلا إختلاف كبير عن بقية أشقائها من دول العرب) الا أن حقيقة ثرائها المتزامل مع محافظتها الشديدة وإنقساماتها الطائفية الخطرة التي وجدت صدى لها في دول عربية أخرى مجاورة، صنع أوضاعاً تأزيمية كان لابد لها أن تصل الى حيث نحن اليوم.
ولأن الكويت دولة مختلفة بحكم إستتباب أفضل ديمقراطية عربية فيها، فقد نأت بها ديمقراطيتها ومجلس أمتها ودستورها عن عواصف كثيرة حاقت بالمنطقة، وعلى الرغم من إصرار بعض الأطراف الترويج لفكرة أن الكويت متراجعة مقارنة ببقية جيرانها من دول الخليج من حيث الإنجازات العمرانية والتطور الإقتصادي، حيث المقارنة مستمرة مع النموذج الإماراتي، الا أن الحقيقة الجلية تظهر في أوقات عسرة كأوقاتنا الحالية، حيث تتبين فضائل الديمقراطية وحسنات الدستور الذي أنقذ الكويت بحكومتها ونظامها وشعبها وخلال أكثر من «واقعة» خطرة على مر عمر الكويت الحديث. مؤخراً أصدرت الإمارات تحذيراً من «التعاطف مع قطر» مؤكدة أن الموضوع قد يقود الى عقوبات مشددة تصل الى 15 عاماً من السجن، وهكذا تختفي الفضائل الإقتصادية والتطورات العمرانية المهيبة التي احتاجت سنوات لتأسيسها في لحظة تهديد للحرية الإنسانية، وفي واقعة تغييب للحد الأدنى من الديمقراطية والتي بلا وجود حقيقي وصلب لها على الأرض لن يكون حتى لأعتى ناطحة سحاب أن تبقى صالبة طولها.
وعلى عادتها حاولت الكويت، من خلال الجهد الدؤوب لأميرها الشيخ صباح الأحمد، التوسط بين الأشقاء الخليجيين لحل الخلاف، الا أنه وحتى ساعة كتابة هذا المقال لا بشائر طيبة تطل برأسها بإتجاه حل الأزمة. يبقى أن درساً مهماً يجب إستخلاصه من الأزمة من حيث ضرورة مراجعة طريقة توجيه وتوظيف الأموال الخليجية، من حيث طريقة صنع العلاقات والتحالفات الإقليمية، والأهم من حيث تقييم مصادر صنع الإرهاب في المنطقة، بدءاً بمراجعة المناهج التعليمية، وتلك نقطة لا تخص دول الخليج وحدها، بل دول العالم العربي كله من خليجه الى محيطه.
ولا يمكن أن نغفل أنها المأساة السورية التي تدفع دول الخليج ثمن مساهمتها فيها اليوم بصورة أو بأخرى، وهي التحالفات مع أمريكا ترامب التي لا يمكن أن يكون عائدها خير أبداً، وهو الغياب المؤذ للحرية والديمقراطية، وهو المال الوفير والتريب الكثير، وهي كراسي، كراسي كثيرة في العالم العربي، يدفع ثمن الحفاظ عليها أبسط البسطاء. نتمنى أن يعود شيئ من الحكمة للمشهد قبل أن نغرق جميعاً في خليج بعد لم نجزم إن كان عربياً أو فارسياً.