لا نريد زوجة
في مقال لها بعنوان «أريد زوجة» نشر سنة 1971، تعلن الكاتبة النسوية جودي بريدي، التي كانت وقتها زوجة وأمًا، رغبتها في الحصول على زوجة حيث «ومن ذاك الذي لا يرغب في زوجة؟» كما تتساءل هي في نهاية مقالها. تتحدث الكاتبة ساخرة عن الدور الإعجازي المطلوب من الزوجة على المستويات الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والجسدي مؤكدة، من خلال تعدادها الساخر للأدوار المطلوبة من المرأة، أن هذا الكائن المدعو زوجة مرغوب الحصول عليه من كل البشر بمن فيهم الزوجات بحد ذاتهن، فهذا الكائن ليس فقط ملزم بأداء الواجبات، بل هو ملزم كذلك بالتعبير عن المشاعر والتجاوب والرغبات، إنه الإنسان الكامل.
تقول بريدي في وصفها لتوقعات المجتمع والزوج أن الزوجة ليست فقط تلك التي تتحمل عبء أطفالها بالكامل من شؤون مدرستهم إلى العناية بملبسهم ومأكلهم إلى متابعة مواعيد أطبائهم إلى الاهتمام بكل ما يخص حياتهم، ليست فقط المهتمة باحتياجات زوجها من نظافة ملبسه إلى تجهيز طعامه إلى ترتيب بيته إلى التسوق لمطبخه إلى الاهتمام به وقت مرضه، ليست هي فقط الصامتة التي لا يجب أن تشتكي ولا تلح، بل تستمع بإنصات لهموم زوجها، ليست فقط المهتمة بترتيب العلاقات الاجتماعية في حياة زوجها كلها، والمسؤولة عن ترتيب أية مناسبة يستقبل فيها الزوج أصدقاءه، بل هي كذلك الزوجة الحاضرة في نهاية اليوم إذا ما أبدى الرجل رغبته، هي الزوجة المتزينة حتى وإن كان يومها كله عمل وشقاء، هي المتفهمة لرغبة الزوج مهما بلغ تعبها، والمتفهمة لعدم رغبته مهما بلغ شوقها، هي المسؤولة تماما عن منع حملها، بل وأكثر، هي تلك المتفهمة جدا إذا ما أبدى زوجها رغبة في غيرها، وهي الباقية على إخلاصها له حتى لا تستثار غيرته التي قد تلهيه عن الإنجازات المهمة في حياته. وفي النهاية هي الزوجة التي ستعطي الرجل حريته إذا ما أراد تغييرها (في مجتمعاتنا تلك ليست مشكلة، فالطلاق ليس في يدها أولا، وهي يمكن أن تُثَنى وتُثلث وتُربع من دون طلاق ثانيا) وهي التي ستأخذ الأولاد معها طبعا في حال انفصالها، حتى يتسنى للرجل أن يبدأ حياته الجديدة.
فعلا، من هذا الذي لا يريد زوجة؟ من هذا الذي لا يرغب في إنسان يخدمه ويشرف على بيته ويوفي احتياجاته، من هذا الذي لا يود أن يملك إنسانا ملزما شرعا بتلبية رغباته، حتى أن الملائكة تلعنه إذا لم يتجاوب مع هذه الرغبات؟ إن هذا المخلوق الذي هو الزوجة لم يأت «بالساهل»، إنه إنجاز آلاف السنوات من القمع الاجتماعي والتمييز الديني، حتى تشكل بصورته النفسانية الحالية، حتى وصل لإيمانه هو ذاته بنقصه وبدرجته المتدنية ككائن بشري. إنها آلاف السنوات من العيب الاجتماعي والفروض الدينية التي أوصلت إلينا اليوم هذا الكائن الذي حقق المستحيل حين اقتنع داخليا بأنه أقل مما يستحق، حين آمن فعليا بدونيته وبحاجته لوصي يحكم تصرفاته، أي كائن هذا القادر على العمل ضد فطرته التي تحثه على حماية نفسه؟ أي بشر هذا المقر برتبته المتدنية عن طيب خاطر؟ إنه بلا شك معجزة.
ليس هذا البشر سوى وجه واحد لعملتك النادرة أيتها المرأة، فعلى الوجه الآخر أنت المثابرة على غسل أردان السنين وأمراض الزمن وطغيان المجتمعات بتقاليدها وأديانها التي أعملت منشارها في روحك وجسدك يوما بعد يوم، سنة بعد سنة، قرن بعد قرن. أنت معجزة أيتها المرأة، زوجة كنت أو ما كنت، أنت من تدمين شهريا ولا تموتي حتى عبدك الأقدمون بسبب ظواهرك الخلابة، أنت من تصنعين الحياة في جسدك، أنت من تبقين العائلة متماسكة بحكمتك، أنت الجانب الأطهر بإخلاصك والتزامك مع شريكك، أنت التي تربطك كيميائية عجيبة بصغارك، أنت التي توصمين دوما بالعاطفية الهستيرية، أنت دون غيرك من تستقر العائلة باتزانك وإصرارك. أنت أيتها الأنثى طاهرة طوال الوقت، لا ينتقص من عقلك أو دينك شيء، أنت بشر كامل متزن لا يحتاج وصاية، أنت إنسان رائع يمكن له أن يحقق إنجازات مذهلة خارج الأسرة كما داخلها. أنت صاحبة قرارك، أنت مالكة حياتك، أنت معجزة المقاومة المستمرة برغم آلاف السنوات من تكالب المجتمعات والأديان عليك، وبرغم وصول الكثير من القناعات المريضة إلى دخيلة نفسك، فأنت لا زلت تقولين لا، لا زلت تتطلعين، لا زلت تحلمين، هذا هو إعجازك، خلود حلمك الذي لم تقتله كل سنوات القمع وكل مؤسسات الظلم بقوتها وجبروتها. هذا هو الوجه المشرق لعملتك النادرة، هذا هو أنت.
أنت معجزة لأنك في الواقــــــع لا تحتاجين زوجة، أنت الكمال في رعايتك لنفسك وكل من حولك، وهل من إعجاز لكائن أكبر من ذلك؟