رئيسة العصابة
لماذا تعتقد الأغلبية الغالبة من المسلمين، كلما أتاهم نقد ديني أو حضــــرهم تساؤل ثيولوجــــي، أن هناك مؤامــــرة تحاك في الظلام ضدهم والدين الإسلامي؟ ما الذي ثبت عقلية الضحية هذه في رؤوس عامة المسلمين حتى أصبح كل حوار حول مسألة دينية هو دسيسة صهيونية وكل نظر وتساؤل في الفقه وكتب التراث هو تكالب للمجتمع على المسلمين لينهي دينهم ويقضي على عقيدتهم؟ ما الذي يعتقد المسلمون أنهم يملكونه، يزيد أو يختلف عن المسيحيين أو اليهود على سبيل المثال، ليجعل من عقيدتهم وعباداتهم هدف لمؤامرات العالم للقضاء عليهما؟
إن الشعور المستمر بالاستهداف هذا هو بلا شك شعور مرضي ينشأ عن نقص حاد في الثقة كما ينشأ من معاناة صارخة في الحياة اليومية تدفع الإنسان لاسقاط كل هذا النقص وكل تلك المعاناة على غيره، فيستمرئ الشعور بالضحية وبأنه هدف للآخرين والظروف من دون أن ينظر مطلقا في دوره فيما يحدث له.
استضافني د. سليمان الهتلان قبل أيام في برنامج «حديث العرب» على قـــــناة «سكاي نيــــوز» العربية والذي تناقشنا من خلاله في عدد من القضايا العربية الراهنة.
أتى ختام المقابلة بملاحظة مني حول ضرورة إلغاء التعليم الديني الإلزامي في المدارس حيث يمكن استبداله بمقررات حول تواريخ الأديان أو حتى حول الأخلاق أو حقوق الإنسان، وهو الموضوع الذي أنتوي أن يكون هو محور المقال المقبل، إن شاء الله.
كان رد الفعل على درجة من العنف، على تويتر ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى مثل انستغرام، وصل حد الفكاهة، حيث تدرج من التأكيد على أن العالم كله عصابة صفوية أتت لتقضي على الإسلام، وأنا على ما يبدو كنت رئيستها، مرورا بأنني علمانية شيعية ملحدة، ولا تسألن عن اجتماع الإلحاد والتشيع، كلاهما في ذات النفس، وصولا إلى هدر دماء الملحدين والعلمانيين حيث أنه «أمر لا خلاف فيه بين العلماء» كما جاء على لسان أحد المغردين، داعيا المتقين من أمثاله أن يتركوا عنهم «الورع البارد» فلا تأخذهم بنا، علمانيين، ملحدين، صفويين، رافضيين، أي شفقة أو رحمة.
ولقد اعتدنا من تويتر أن يعطي منبرا لمن لا منبر له، وقبلنا، وبنحن أقصد كل من يحترم مبدأ الحرية، الثمن الزهيد الذي ندفعه من تحملنا القول الفقير وإن وصل حد السب والقذف وتدرج إلى التهديد والوعيد، من أجل حرية الرأي والتعبير اللذين لا يقدران بثمن. فطعم الحرية أشهى من كل الكلام المعسول، وأجمل حتى من الشعور المفعم بالأمان، والذي لا يعود أمانا وهو مكبل بالأصفاد ومقيد بسلاسل الحرام والممنوع.
لذا لا أكتب لأشتكي من نوعية خطاب الدفاع الإسلامي على وسائل التواصل، ليــــس فقط أننا اعتدنـــاه وحفظناه، بل إننا نفسح له المجال، عن طيب خاطر، ليكون بكل عنفه ودمويته ورخص ألفاظــــه وصفـــاقـــة تشهيره، خصوصا عندما يستهدف امرأة، متمتعا بالحرية التي يحاربها وبالاحترام الذي يناله ولا يعرف كيف يمارسه.
انما أكتب لأتفكر، ما الذي يجعل مسلمي العالم تحديدا، في ظاهرة لفظية وفعلية، ينحون لأقصى درجات العنف كلما أتاهم نقد من آخــــرين، وذلك انطــــلاقا من اعتقادهم بأن هناك استهدافا لهم ومؤامرة تحاك ضـــدهم وخطة للقضاء على دينهم، حـــتى وإن أتى النقد داخليا من أعضاء في مجتمعاتهم؟ أعرفـــــها تلك الظـــروف التاريخـــية القديـــمة، وتلك التقلبات الســـــياسية الراهنة، أفهمها تلك الســـياسات العظمى الشائكة والتلاعبات العالمية في إقليمنا الـــثري، ولكن أي شعب في العالم وأي منطقـــــة منه لم تمر بالظروف ذاتها ولم تعان التأمر ذاته ولم تنضغط تحت السياسات الخبيــــثة ذاتها؟ ما الذي يمــيزنا، أو «ينحسنا»، نحن بالذات حتى يجعلنا غير قادرين على التخلص من الشعور بالمظلومية والاستهداف المستمرين؟ أي لعنة هذه حلت على عقولنا تجعلنا نعتقد دوما أن لا يد لنا مطلقا في ما يحدث لنا، أن لا خلل مطلقا في كتب تراثنا، أن لا عوج مطلقا في ممارستنا لعقائدنا، إنما السر كله في كراهية العالم وتآمره علينا؟ كيف رسمنا الأدوار، نحن ملائكة وهم شياطين، وأقمناها حربا نفسية وجسدية من دون حتى أقل نظرة على ما يحدث في عقــــر دارنا؟ أكاد لا أفهم!.
كل التاريخ والأحداث والظروف لا تبرر هذه العقلية الغريبة، وهي عقلية في حين أن الكثير من المفكرين العرب والإسلاميين في حد ذاتهم يحاورونها ويحاربونها، إلا أنها عقلية الشارع العام والشعور المطلق الفياض، هي ما يتحكم في كل فعل ورد فعل يصدران عنا، وهي عقلية مرهقة محبطة، تجعل الإنسان يحيا بشعور مستمر من المهانة والمسكنة والغضب والنقمة الشديدين، وتلك مشاعر لا تأكل سوى أصحابها ولا تنتقم إلا منهم ولا تقضي إلا عليهم.