دقي يا مزيكا
أن يحمل باسم يوسف برنامجه تحت ابطه ويلف به شوارع العالم العربي ليجد له مأوى، هذا التشرد الاعلامي البغيض، هو وضع له مدلولات عميقة الأسى، أساها يلحق بنا وبحكوماتنا وليس بباسم أو برنامجه. يذكرني وضع باسم بوضع علماء، مفكري وناقدي الأمة العربية الاسلامية على مر العصور، داء ما يجري في عروقنا يجعلنا نهينهم ونبعدهم ونلاحقهم بالمخبرين والقتلة المأجورين. كم أهنا من علماء ومفكرين ولا أدري لم تحضرني تحديداً قصة عمر الخيام، وهو يتنقل من ولاية الى أخرى، يبحث عن دار يؤسس فيها مختبره الفلكي، عن خليفة شجاع يمول مشروعه التقدمي، ولكن الخوف والجهل والعنت يظللون سمواتنا حيث نذهب، «ومتى» ما نذهب، لا تغيير المكان ينفع ولا تغيير الزمان، في المنطقة العربية الاسلامية، لا شيئ يتغير، لا شيئ.
حتى تطرفك الديني لا ينفع ولا يشفع اذا ما انقلب الناس عليك، وها هم الاخوان المسلمون، والذين ويا لغرابة الأقدار كان عهدهم أوسع صدراً لبرنامج باسم من عصر السيسي التقدمي، يقعون وقعة مدوية، يمر الناس عليهم فيتشفون بهم بشكل مرضي مريب. وما أن خسروا معركتهم، حتى منعت برامجهم وقمعت اصواتهم فذاقوا مر الكأس الذي كانوا يقدمون (مرة أخرى على الرغم من سعة صدر نسبية تجاه برنامج باسم). تسعى من أقصى اليمين الى أقصى اليسار، هنا لحى طويلة وهناك وجوه حليقة، والمصيبة الفكرية الانسانية واحدة، التربص واحد، والتسلط واحد، ما أن تقع أحد الأطراف، حتى يبدأ الفكر القمعي بالعمل، يتربص الطرف الناجح بالمهزوم ثم ينقض عليه، والعجيب الغريب في الموضوع، أننا «مع الخيل» نجري، و»الي يتزوج أمي أقول له يا عمي».
ولكن دعك من كل هذا، أن لا يجد برنامج ساخر ناجح جداً، ومقدمه ذو الكاريزما والقبول القويين، أي مكان في كل قنوات العالم العربي، تلك هي بلا شك ظاهرة تستحق الفهم. اللهم احفظ شعوبنا والعقول المهيمنة عليـــــها، ما شاء الله، لا نجتمع الا على القمع. فما أن انقلب طرف حكومــــي على باسم يوسف، حتى أغلقت كل الحكومات الأخرى أبوابها الاعلامية في وجهه، وأخيراً تحققت الوحدة العربية، أخيراً أصبح العرب يداً واحدة أمام العدو الغاشم: برنامج مدته ساعة في يوم واحد في الاسبوع. احنا النشامى…
غير مهم أن يكون هناك رداحين للسلطة يملؤون آذانك بالشمع،غير مهم أن يكون هناك شخص مثل توفيق عكاشة «يفرش الملاية» في الاستوديو و»يخلي الي ما يشتري يتفرج»، فهو اليوم في الجانب الصح، والناس «عاوزة كده»، غير مهم أن تتكرر على أنظارنا صورة السيدة «شت أب يور ماوس أوباما»، تهرب منها في التلفزيون تظهر لك في التلفون، لتُدعى أخيراً لحضور مؤتمر مهيب، غير مهم أن تقلب القنوات فلا تسمع الا عبيد السلطة وخدامها، لم يتركوا صوتاً واحداً مناهضاً، صوتاً واحداً يمنع العين والحسد، صوتاً واحداً يلبسهم ملبس الديموقراطية والقبول بالنقد. لم تهتم سلطاتنا في يوم بتجميل نفسها، باخفاء عيوبها، بتمثيل، مجرد تمثيل، دورالسلطة شبه الديموقراطية. هم صريحين معنا، لربما حسنة السلطات العربية الوحيدة، يقولون لك أنهم قمعيين وفاسدين هكذا «على بلاطة»، وليس «أبلط» منهم سوى شعوبهم، التي ما أن ترى «البلاطة» حتى تصنع منها صنماً ثم تنصبها الهاً تعبده.
يا باسم، يعني لا يحضرني أن أقول لك سوى «شت أب يور ماوس» يا أخي، أتعبتنا وأتعبت نفسك. بصراحة وعلى بلاطة (تلك التي تعبدها شعوبنا) اما أن تقول «له» يا عمي، أو ارتحل بحثاً عن قناة أجنبية تستحق البرنامج. لا أرى أي داع لامتناعك عن تقديم برنامجك في قناة أجنبية، فمن وما تحترم بامتناعك هذا، حكومات لفظتك أن شعوب كسرت خلفك «القلة»؟ لا تيأس أو تتوقف، ليكن يأسك فقط من الاعلام العربي وتوقفك فقط عن المشاركة فيه، ابحث في مكان آخر يحترم الجمهور والمذيع، مكان ليس فيه أصنام، مكان ليس فيه عكاشة، مكان نظيف، نظيف يا باسم. الأمل مقطوع با ابن الحضارة الفرعونية ها هنا، مقطوع من الحكام ومقطوع من الشعوب، وحتى يحدث زلزال فكري أو كارثة أخلاقية كونية (بحجم تلك التي أنهت الديناصورات من على وجه الأرض) في منطقتنا العربية، «لم عزالك» يا أخي الكريم وارحل، فموقعك الاعلامي ينتظره ألف رادح راقص، يعرفون كيف يتحزمون وكيف يرقصون، على وحدة ونص.