بيت جحا
يدور هذه الفترة صراع حاد في منطقة الخليج العربي تحديدا والشرق الأوسط عموما حول موضوع الحجاب، لربما كأحد أهم مظاهر اهتزاز الثقل الإسلامي في المنطقة من حيث إنتشار ما يسمّى ظاهرة خلع الحجاب في هذه الدول.
في الكويت، لا يزال الصراع يدور حادا بعد ما بدا للشارع وكأنه حملة منظمة ضد غير المحجبات بداية من خطبة جمعة ماضية إتهمت فيها الغير محجبات بالانحلال الأخلاقي ووصولا إلى حملة إعلامية مصورة منظمة من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بعنوان «حجابي به تحلو حياتي». وكتبت الدكتورة الكويتية شيخة الجاسم في مقال لها نشر يوم 18 أبريل/نيسان على موقع «البيت الخليجي» معلقة على الموضوع قائلة: «إن من أهم الأسباب التي جعلت موضوع الحجاب هاما ومحوريا لإيران وللإخوان المسلمين هو أن الحجاب رمز لطاعة النظام السياسي القائم أو لنظام المجموعة التي تنتمي المرأة إليها، وفي خلعه تهديد لسيطرة النظام على الجماعة، فالسفور ليس إنحلالا أخلاقيا بل هو مؤشر إنحلال سيطرة الإخوان المسلمين على مجتمعاتنا».
وعليه فإنه وفي الوقت الحالي تحوّل الحجاب من فرض ديني إلى فريضة ولاء لجماعات الإسلام السياسي، إلى علامة واضحة على هيمنتهم المجتمعية (إذا استتب أمرالحجاب إختياريا) وعلى قواهم الدينية السياسية (إذا تم فرضه قانونيا). في الواقع، وكما تشير الدكتورة الجاسم، الصراع على موضوع لبس أو خلع الحجاب ليس هو في شكله الحالي صراعا أخلاقيا ولا هو صراع فكري بين مدارس دينية أو بين مدارس دينية ولا دينية، صراع التسويق للحجاب هو صراع بين علمانية أو (كما هو متعارف عليه) مدنية الدولة ودينية نظامها السياسي، والجدل الدائر حاليا في الكويت على سبيل المثال بين أحقية وزارة الأوقاف في تبني مثل هذه الحملة الحجابية كونها وزارة في مجتمع إسلامي من عدم أحقيتها كونها وزارة حكومية يفترض أن تلتزم الحياد بين كل أطياف المجتمع، ما هو سوى نتاج الخلط المستمر في مجتمعاتنا العربية بين الديني والمدني، بين السياسي والعقائدي، بين رغبتنا في أن نكون دولا متطورة مدنية محايدة وإصرارنا على تفعيل الإسلام كدين ودولة.
لم تكن حملة وزارة الأوقاف الكويتية الإعلامية (على عكس خطبة الجمعة محل الجدل) شائنة، بل في الواقع كانت لطيفة الملافظ ملتزمة برسالة وأهداف الوزارة كما ينص عليها موقعها الإلكتروني من حيث «نشر الوعي الديني والثقافي»، كما ولم تكن الغضبة النسائية غير مبررة من حيث شعورهن بالتحييد بل وبالتهميش وأن وزارة سياسية مدنية في بلدهن تشن حملة أخلاقية (على لطفها) تميز ضدهن وتدفع بمنهجية عقائدية واحدة على أنها الحق الأولى بالإتباع في هذه الدولة التي ينص دستورها على أن «حرية الإعتقاد مطلقة» (المادة 35) وعلى أن «اﻟﻨﺎس ﺳﻮاﺳﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﻜﺮاﻣﺔ اﻻﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا ﺗﻤﻴﻴﺰ بينهم في ذلك ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺠﻨﺲ أو اﻷﺻﻞ أو اﻟﻠﻐﺔ أو اﻟﺪﻳن» (المادة 29). إذن على من يقع الخطأ؟ تكمن المعضلة بوضوح في هذا الخلط الخطر بين العلماني والديني في محاولة لإعطاء الدولة مظهرا مدنيا متحضرا وفي ذات الوقت الإبقاء على السيطرة الدينية السياسية والمجتمعية والتي يجري توظيفها دوما بنجاح متى ما تبدت الحاجة. ظاهرة الخلط الفوضوية الخطرة هذه هي ديدن معظم إن لم يكن كل الأنظمة السياسية العربية والتي أحد أهم مظاهرها (أي ظاهرة الخلط) هو تدريس مناهج تربية إسلامية في مدارس حكومية يفترض أنها تنطوي تحت ظل أنظمة مدنية محايدة. إن ما يدرس في مناهج التربية الإسلامية المختلفة في أنحاء الوطن العربي يَجُب ما يرد في أي حملة إعلامية أو خطبة جمعة، فهذه المناهج لا تعزز فقط أفضلية الرجل و«حرمانية» كل شيء في المرأة بل هي تذهب لحد الإشارة إلى أن المرأة هي من أشد فتن الدنيا ومن أكثر أهل النار وأن حيضها وحملها وولادتها دلائل ضعف ونقص تتطلب جميعا عزلها عن الحياة العامة وخصوصا السياسية منها. إن عطرها محرم ومصافحتها زنا وغيرها مما يرد في الكثير من مناهج التربية الإسلامية في الدول العربية عموما. فأي مدنية وأي إحترام للمختلف وأي حرية وأي حياد نتكلم عنها وأبناؤنا لا خيار لهم سوى أن يدرسوا هذه المادة بهذا التوجه حيثما ولّووا وجوههم في العالم العربي؟
إنها حالة فصام واضحة نعيشها كلنا في دولنا بين مدنية المظهر ويمينية المخبر، بين علمانية النظام ودينية أجهزته، فصام لا تعيشه دولة عربية دون أخرى، بل هو مرض جماعي، يخف هنا أو يزيد هناك، نعيشه ونعايشه جميعا، نغضب من نتائجه ولا نجرؤ أن نشير إلى منبعه، إلى هذه الحالة الدينية السياسية العلمانية الليبرالية المحافظة المتحررة الملتزمة المدنية العشائرية الرجعية الحديثة القديمة، متاهة ما مثل بيت حجا.