ابنة خالتك آخر مرة
متعبة هي ابنة خالتك وهي تتحكم لا شعوريا في حياتك، وهي تحدد مستوى سعادتك ورضاك عن نفسك أنت وأسرتك من خلال تعليقاتها وتلميحاتها التي لا تنتهي. نصحتكِ أن تخفي معلومات حسابك البنكية عن زوجك، أن تراقبي هاتفه، أن تثيري غيرته، علقتْ على وزن ابنتك وشكلها، شككت في «نصيبها» الذي لن يصيبها طالما هي لا تعتني بنفسها مثل بقية البنات. تلفّ وتدور حول حياتك، ربما هربا من حياتها ومشاكلها ولحظات فشلها، تعلق على الصغيرة قبل الكبيرة، تشكك في الثابت، وتثير المخاوف والقلق، وأخيرا تستثير فيك كل نقاط ضعفك وما تستشعرين بأنه ينقصك، فابنة خالتك هذه لا تعلو على أحزانها إلا على تلة أحزان الآخرين وآلامهم ومتاعبهم. كم ابنة خالة وابنة عم وصديقة وقريبة وبعيدة من هذه النوعية تعرفين وتسمحين لهن بالدخول في حياتك؟
هذا النوع من بنات الخالات هو الذي يصور الزواج ليكون غاية المنى وقمة النجاح للبنت، بنت العائلات. كثيرات منهن يرزحن تحت ثقل حالات زواج فاشلة، حيث الأسى يغلف العلاقة، وحيث الهم يكبر مع الأولاد والأحفاد، وحيث الزوج يتباعد كل يوم، إلا أن كل ذلك الحزن يهون أمام هدف قطع ألسنة النمامين، فالمهم أن يكون الزوج موجودا في الصورة، ظله ولا ظل الحائط، يكمل الشكل المطلوب أمام الناس، ويزين الصورة العائلية حتى لو كانت في حقيقتها خاوية من كل معنى، خالية من كل دفء. تقضي ابنة خالتك هذه جل حياتها مرتعبة من كلام الناس، عبدة لتوقعاتهم، ثم تأتي لاحقا لترعب الآخرين بكلامها وتستعبدهم بتوقعاتها في دائرة من الأسى لا تنتهي.
سآتي بها من آخرها، لا.. ليس الزواج هو كل شيء، وما هو بالشيء الرئيسي في الحياة، السعادة هي الشيء المهم، والرضا وحرية اختيار أسلوب الحياة هما الشيء الرئيسي في هذه الحياة. أعرف أن كلام ابنة خالتك موجع، وأعرف أن المئات المحيطة بك من «بنات الخالات» على شاكلتها يضغطن على قلبك ويثِرن كل مخاوفك على مستقبل هذه الشابة اليافعة التي هي قطعة من قلبك. لا تستسلمي لهذه المخاوف، ولا تضحي بسعادة ابنتك في سبيل إرضاء الناس، ولا يجب أن نرسل هذه الرسالة البغيضة لبناتنا.. أن الزواج هو غاية المنى وأن الارتباط – ولو على مضض برجل لا يرقى لتوقعات العقل ومشاعر القلب – هو أفضل من البقاء دون زوج، وأن ظل الرجل هو مكانها الوحيد والآمن. كم هي قاسية ومجحفة هذه الرسالة التي نقسو بها على بناتنا من حيث لا نعلم، نخبرهن من خلالها أنهن غير كافيات بمفردهن، وغير مكتملات بشخوصهن، وأنهن بلا رجل فهنّ بلا أمان، بلا حماية، بلا ظل؟! أي تحطيم للمعنويات وتهديد نفسي نرسل للصغيرات دون أن نشعر؟!
أخبري ابنتك أنك تتمنين لها أن تجد حبا يملأ قلبها، وعقلا يبارز عقلها، وأنك تتمنين لو أنها وجدت شريكا يلتئم ظله بظلها، تحميه ويحميها، تسنده ويسندها، يعرف أنها تساويه في المقدار ولكنها قد تختلف معه في الاتجاه، في تمام المطابقة لقانون نيوتن للحركة. أخبريها أن حراك القلب ليس مثله حراك في الدنيا، وأنك تتمنين لو أنها عرفت الحب ولو فشلت فيه على ألا تعرفه تماما. ثم أخبريها أن ذلك ليس هو وحده مصدر السعادة، إن لم يكن أحيانا كثيرة مصدر حزن وأسى، أخبريها أن الزواج سبيل وليس غاية، وأنه إذا تيسر فأهلا وسهلا وإذا لم يتيسر فهناك مئات الآلاف من الطرق المختلفة التي ستجد من خلالها الصغيرة سبيلها وتحقق على ترابها أمانيها فتصل إلى صيغة سعادة ورضا واكتمال ربما لا يمكن لزواج أن يحققه لها في يوم ما. لا أقصد أن نشجع الصغيرات على النفور من الارتباط، إنما أن نشجعهن على أن يجدن طريقهن الحقيقي للسعادة، سعادة صافية حقيقية نابعة من عمق القلب وجوهر الروح، لم تلوثها أقاويل بنت الخالة ولم تعبث بها تعليقات بقية الناس وأحكامهم. لا تجعلي قيمة ابنتك من قيمة رجل يدخل حياتها، قيمتها في نفسها وروحها وعقلها، تشق طريقها بنفسها، فإن أتى الشريك على الطريق ذاته فأنعم به وأكرم، وإن لم يأت فكوني أنت صاحبتها في السفر، وارفعي عنها عبء إرضائك والناس بعلاقة تصمت أفواه الناس بثمن تعاستها الأبدية.
بناتنا في مجتمعاتنا مملوكات فعلا بعقود زواج لا يملكن منها تحررا إراديا، فلا تدخلوهن هذه العقود دون قناعة كاملة، دون حب كامل، دون رغبة تامة كاملة. إذا لم تتحقق المعادلة الصعبة، فأبقين حياة الفتيات في عصمتهن، يشكلنها ويعشنها كما يشأن. ترانا نحياها مرة واحدة، لذا، ورغم أنف بنات الخالات، اتركن البنات يسعدن بفرصتهن في الحياة.