وجهان
تسألني صديقتي: أليس من الغريب أن يستمر العرب والمسلمون عموماً على مساندتهم للتشريع الديني حتى بعد ظهور داعش والنصرة ومن قبلهم القاعدة؟ تقول إنها توقعت أن ينقلب الشارع على هؤلاء الارهابيين وما ينادون به من الدولة الدينية، التي سيبنونها بناءً على قراءتهم الخاصة للدين بالطبع، والتي أثبت لنا التاريخ والأحداث الحالية استحالة محايدتها وأكد على عدم ملاءمتها للوجه الحضاري الانساني الذي يجب أن يكون هو واجهة أي دولة متمدنة اليوم.
تفكرت كثيراً في ملاحظتها، لماذا ينتقد الشارع، وإن ليس بأغلبيته الساحقة، أفعال القاعدة وجرائم داعش من جهة، ثم يساند التشريع الديني (طبعاً كل حسب رؤيته) والذي هو أحد أهم أهداف هؤلاء والذي يحمل في لبه التمييز بين المواطنين على أساس المعتقد؟
لطالما أبهرتني القدرة العربية الاسلامية على العيش بوجهين، على الجمع بين النقيضين، على الحياة على أواخر الطرفين، ولطالما ازداد انبهاري بالأريحية التي يعيش بها هؤلاء حياتهم المتناقضة بلا حياء أو تبرير ولربما بلا أي شعور بالتناقض الذي يحيونه. ينصب اهتمام العرب المسلمين على سمعتهم، أكثر من أي شيء آخر في الدنيا، على «شرفهم» والذي هو فكرة هلامية يبدو أن أي مصاب يصيبها يحيق بالرجل فقط دون الانثى، لم؟ لا أحد يعرف تحديداً. يعيش العرب المسلمون بهدف مبدئي وهو الحفاظ على سمعتهم بين أقرانهم من العرب المسلمين، المهم أن تبقى الصورة مُحافظة نقية دينية أمام هؤلاء، أما غيرهم فلا بأس ولا تثريب.
في بلده يتشدد العربي المسلم في تغطية إناثه، يتحكم في حركتهن، في بلده يمتطي صهوة المحافظة، فلا يتحدث الا مقتبساً من القرآن، ولا يتكلم إلا مساندة للشرع. وما أن يخرج هذا العربي إلى بلاد الحرية حتى تخف قبضته على إناثه كما تخف على أخلاقه، فيرتاد أماكن لا تراه فيها أعين أقرانه، ويأتي بأفعال لا يمكن أن يكون هناك من شهود عليها بين قضاة السمعة وحكام الشرف، فينطلق ويستمتع، فالخالق، على ما يعتقد، يسكن في بلده فقط، والأخلاق على ما يتصور، يمكن وضعها في الثلاجة لحين عودته. لست هنا أقول إنني أؤمن أن الأخلاق تكمن في التحكم بالنساء وفي الكلام بالشرع، لكنني أقول ان كان صاحب هذا الاعتقاد يأتي بخلافه فقط لاختلاف المكان والعيون والأسماع، فهذا تأجيل لرضا الله و»تبريد» للأخلاق لحين العودة «لاستخدامها» لاحقاً.
وحتى في بلده، يتشدد العربي المسلم في أداء ركعاته، يركز كثيراً على وصول الماء الى كوعه، ولكنه لا يتردد في استخدام أي واسطة للتعدي على حق الآخرين، لا يأنف من التعنصر ضد الأجنبي المقيم في بلده، لا يرى أي تناقض بين دينه وأخلاقه وبين أن يقف مع أخيه ضد ابن عمه ومع ابن عمه ضد الغريب في تصرف قبلي قديم لا يعي من العلاقات الأخلاقية شيئاً.
لا يعتقد العربي المسلم بوجود أي تناقض بين خوفه على صيامه من أن تنقضه رائحه تدغدغ أنفه وبين ان يمنع أخته من الزواج بمن هو ليس على جنسها أو بمن لا ينتمي لطبقتها.
لا يأنف العربي المسلم في بلده من تذكير المرأة بأنها ناقصة عقل ودين، وفي ذات الوقت من تحميلها مسؤولية تربية أولادها وخدمة بيتها بل والمحافظة على أسرتها من خلال تحمل الحياة والقبول بها في حال أتى لها بزوجة جديدة أو حتى عشيقة تندرج تحت مسميات الزواج التفصيل الذي استحدثه وعاظ السلاطين اليوم.
يقر العربي المسلم لنفسه بما لا يقر لأخته، ويسمح لرغباته في الخارج بما لا يسمح لها في الداخل، كيف يعيش العربي المسلم هذه الحالة المستمرة من التناقض فلا يصيبه مرض نفسي عضال؟ أم أنه مصاب والأمر لله من قبل ومن بعد؟