هل أنا ورئيس الوزراء سواء؟
تحدث د. مأمون فندي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج تاون ومدير برنامج الشرق الأوسط وأمن الخليج بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن، في جلسة مغلقة حول الهموم العربية الحالية، إلا أن نقطة بسيطة قيلت سريعاً هي التي بقيت هاجساً يشغلني ويؤرقني. في حديث مقارن بين القالب العقلي الغربي والشرقي، أشار الدكتور إلى حقيقة أن هناك فارقاً شعورياً مهماً هو أحد أهم أسباب الاختلاف العقلي بين الإنسانين. إنسان الغرب، وهو بلا شك يعيش في مجتمع طبقي، فيه الغني والفقير، المثقف والمتواضع في تعليمه، إلا أنه يشعر بالتساوي إنسانياً مع غيره ممن قد يعلونه طبقياً، فالمتشرد الذي يجوب الشوارع، يدرك في أعماق وعيه أنه أقل حظاً في الراحة المعيشية إلا أنه متأكد كذلك أنه متساو في قيمته الإنسانية والتي هي، أي القيمة الإنسانية، جزء لا يتجزأ من ثقافته الغربية الحديثة، أي هي قد أصبحت، بعد طول نضال، جزءاً من عاداته وتقاليده. يعرف الإنسان الغربي أن القانون ينظر إليه بعين المساواة، مع الأخذ بالاعتبار أن لكل قاعدة استثناءاتها، وأنه ورئيس وزرائه أو عضو مجلس نوابه مثلاً، يقفون على قدم المساواة أمام نظام دولة مدنية متكامل لا يضع، أو يحاول أقصى جهده ألا يضع، الاعتبارات الأخرى الزائلة كمعايير تقييميه لهذا الإنسان. لذا عندما تنفجر قصة عن وساطة لشخص متنفذ أو قهر لشخص بسيط، تقوم قائمة النظام المدني الغربي الذي ينظر لهذه القصة على أنها معول يُعمل الهدم في قاعدة بنائه الحضارية. ما أثر قصة من هذه النوع إذا انفجرت عندنا؟ بل كم قصة وقصة نسمع كل يوم ونفوتها على أنها حدث عادي لا يستحق الانتباه ومن غير المجدي حتى محاولة التعامل معها؟
أزعجتني هذه الفكرة جداً، فأنا بكل تأكيد لا أشعر أنني أقف على قدم المساواة مع رئيس الوزراء أو حتى نائب في مجلس أمة في المنظومة المدنية الكويتية، وهذا، أكاد أجزم، هو حال كل فرد يعيش في دولة شرق أوسطية. بكل تأكيد أشعر أنني أحياناً أقوى من كثيرين، أستطيع بعلاقة معرفة أو وساطة متاحة أو بحكم موقعي العملي والاجتماعي أن أكون أقوى، أن أحقق أكثر وأن استحوذ على المزيد. وفي ذات الوقت، أشعر أنني أضعف وأقل أمام آخرين في المجتمع، حيث تنخفض قيمتي الإنسانية أمام قيمتهم التي يرفعها منصبهم أو علاقاتهم أو أعراقهم، يقف هؤلاء أمامي في كل شيء، صوتهم أعلى، حقوقهم أكثر، وبلا شك لو كنا نقف في طابور ما، فسيكون لهم السبق فيسحبهم منصبهم إلى مقدمة الصف دون الكثير من العناء من جانبهم.
غير مهم أن يكون ذلك هو الواقع دائماً، المهم والمخيف والمؤذي أن أشعر أنا، وطبعاً الملايين غيري، بطبقية مستبدة تجعلني أقل إنسانياً فيدفعني ذلك لأن أستبد بالقليل الذي أملكه من قوى مجتمعية، وهكذا تدور الدائرة المريضة بنا، كل يشعر بالقهر وكل يبدده بقهر غيره. مقدار كبير من الأمان الذي أشعر به تبدد وأنا أبحث في داخلي عن سبب هذا الشعور، عن مصدر اعتقادي الراسخ أن هناك من هو قادر على إيذائي بحكم قوته ووصوله، ولأننا جميعاً نعيش بهذا الشعور بدرجة أو بأخرى، فكلنا فاقد للأمان، وكلنا فاقد للاستقرار وكلنا يتحرك بمنطق استخدام ما يتيسر من النفوذ. القانون ليس الحكم، والقيمة الإنسانية ليست الحكم، يبقى المال والنفوذ والاتصالات والمناصب لتحدد قيمتنا ونوعية الحقوق التي نستحقها. قد يقول قائل إن هذه حالة إنسانية موجودة في العالم أجمع بدرجة أو بأخرى. نعم، صحيح، لكن المصيبة هي عندما تصبح هذه الحالة القاعدة لا الاستثناء، المصيبة تكمن في شعورنا الصارخ بها، واقتناعنا التام بضعفنا وانهزامنا أمام هذه الماكينة المتوحشة، اعتقادنا الراسخ أنه قدرنا ولا يمكن أن يتغير. إنه شعور حزين.