«مين طفى النور؟»
لا أعتقد أننا في يوم سنتفق، لذا تعالوا نتفادى النقاش حول حقيقة وضع البدون في الكويت. لنتصور رضوخاً عند الكثير من الكلام السائد ودفعاً بالتطرف في الرأي إلى أقصاه أنهم كلهم متسللون وكلهم ومنذ ستين سنة يخبئون أوراقهم الرسمية، حتى أن شاباً اختار أن يحرق نفسه لينهي حياته على أن يُظهر أوراقه. خلينا نتصور أن هذه الفرضية، على جنونها، حقيقية، وأن كل البدون نصابون هكذا بالواضح الصريح، ثم يأتي أحد هؤلاء، شاب «نصاب» يافع، فيحرق نفسه، ما ردة الفعل الإنسانية الطبيعية؟
لو أنك خارج الصورة، لا تنتمي إلى هذا المجتمع، أنت فقط مراقب لأحواله من بعيد، ماذا كنت تتوقع؟ لربما بحكم ما تعرف عن النفس البشرية الطبيعية ستتوقع أن يقوم أفراد هذا المجتمع بالتعاطف مع المقدم على الانتحار أياً كان وضعه على أساس أن الشعور الإنساني الطبيعي هو التعاطف مع إنسان وصل حد اليأس من الحياة حتى إن كان مذنباً. لو أن لك عليهم كلمة، ماذا كنت ستقول لأهل بلد منعم آمن حرق فيه شاب نفسه؟ هل ستقترح عليهم أن يكتبوا عريضة تخفف المصاب عن الشاب الذي حاول الانتحار وأهله وإن كانوا مذنبين أم ستقترح عليهم أن يساندوا المسؤول القوي الغني المرتاح اجتماعياً وصاحب القرار في قضية الشاب وفئته؟ بالعقل، وبفرضية أن الشاب المنتحر نصاب وأن الحكومة هي على الحق والصواب، هل تتوقع أن يصدر الأفراد ورقة تساند وتشد على يد الطرف الأقوى بكل أجهزته وقدراته ومخابراته وأمواله وعتاده أم أن يصدروا ورقة للنظر في أمر هذا الشاب وأمثاله ووضع حد للخطأ والمعاناة؟ في مواقف الأسى والألم والموت، وبغض النظر عن الطرف الحق والطرف الباطل، الطبيعي أن تميل بإنسانيتك تجاه الطرف الذي يعاني، فإن كان على حق تسانده وإن كان على باطل تطالب بتصحيح وضعه، لا أن تقف مع الطرف القوي منتصراً له فوق انتصاره، شاداً على يده الحديدية، مهنئاً إياه فوزه على الضعيف وإن كان مذنباً. أليست هذه هي الغريزة الإنسانية في أكثر أشكالها بدائية والطبيعة النفسية في أبسط صورها؟
ليس بيان التأييد لصالح الفضالة سوى تعبير عن حرية الرأي، هو حق لمن كتبه ولمن وقع عليه، ولكن بخلاف أنه بيان ركيك في دفاعه عن شخص رجل ليس شخصه ولا شخصيته هما محل التقييم هنا كما هو دفاعه عن جهاز يعمل منذ سبع سنوات بلا أدنى درجة من درجات الإنجاز، فهو بيان غير طبيعي، لا يتماشى مع العقل أو المنطق أو الغريزة الإنسانية الطبيعية. ترون الرجل وجهازه على حق «ماشي»، لكن يحترق شاب فتصدرون بياناً، ليس تعاطفاً مع الشاب ولا تساؤلاً حول الأسباب ولا مطالبة بإنهاء الخلل بأي صورة أو مقترح ولا حتى مخاطبة للرجل وجهازه ولو استعطافاً أن ينظر في الأمر ويحل المشكلة، بل تصدرون بياناً متعاطفاً مع الطرف الأقوى، الأغنى، صاحب القرار، الممسك بزمام الأمور، الجالس في المكتب الفخم، الآمر الناهي، فهذا هو اللامعقول بعينه. تخيلوه مشهداً مسرحياً قصيراً، شاب «مذنب» يحرق نفسه، تجتمع الناس لتهدئ الطرف المتحكم به وبحياته. فتى وإن كان نصاباً يموت في المستشفى، توقع الناس بياناً يساند صاحب القرارات في آخر سبع سنوات من حياة هذا الفتى، لا وبين الموقعين رئيس سابق لجمعية حقوق الإنسان وعضو سابق في مجلس إدارتها. حد يفتح النور يا جماعة.