«منورين المتنورين»
في حزمة الاستجوابات المقدمة في مجلس الأمة الكثير الفارغ والقليل المفيد، لكنها عموماً استجوابات تنسى قضايانا الأهم. لربما هي استجوابات مقدمة من نواب وصموا بحكوميتهم، فجاءت ردّة أفعالهم عنيفة ومبالغاً فيها لدفع هذه “التهمة” عن أنفسهم، فما كان إلا أن غاصت أقدامهم وأقدامنا معهم في مستنقع من الثلج يجمدنا وكل قضايانا المهمة في ثنايا صراعاتهم الشخصية السياسية.
ففي مجلس تخلص من كل “المتخلفين” على حد اعتقادهم، وأتى بالمتنورين المخلصين في حب الوطن ونظامه، أين هو طرح قضايا البلد المهمة، والتي، أجزم بوضوح، أن قضايا المرأة الكويتية أهمها؟ في الوقت الذي لدينا فيه نائبات يزعقن ووزيرات يردعن، أين الجميع من طرح قضايا المرأة، هذه المرأة التي تحملها الدولة كافة واجبات المواطن وتحرمها من أوائل حقوقه، فلا تستطيع أن تنقل جنسيتها لأبنائها، ولا تمتلك ذات الحقوق السكنية، وليس لها ذات الحقوق الوصائية على أبنائها بل ولا حتى على حياتها؟
أين العمل من أجل إعطاء المرأة حقها في توريث جنسيتها لأبنائها؟ أين الطرح التشريعي لتعديل قوانين الزواج والطلاق بما يعطي المرأة حقوقها الكاملة والمتساوية تماماً مع الرجل بلا أقل نقصان؟
وهنا أعني، وبوضوح، حقها المتساوي معه في الدخول لمؤسسة الزواج برضاها الكامل والخروج منها برضاها الكامل، فلا يبقى الطلاق حقاً منفرداً في يد الرجل بل يصبح حقاً مشتركاً يقبله الاثنان أو يرفضه الاثنان، وهو تعديل مطلوب في أي دولة تدعي أقل درجات المدنية؟
أين تعديل قوانين الزواج بما لا يسمح للرجل بتعديد الزوجات أو على أقل القليل بأخذ موافقة خطية من الزوجة الأولى كما هو معمول به في العديد من الدول العربية في شمال إفريقيا؟ إلى متى تعيش المرأة في بلدنا تناقضاً في مواطنتها فتتحمل من الواجبات أكثر مما تأخذ من حقوق وتناقضاً في آدميتها فتبقى حريتها قيد قرار الرجل؟
لم لا نرى نقاشاً حول هذه المواضيع الغاية في الحساسية والتي تؤثر على وضع الكويت إنسانياً وحقوقياً ودولياً وطبعاً اقتصادياً واجتماعياً؟ إلى متى نضع مواضيع المرأة في مؤخرة الركب، دوماً هناك أمر أهم، دوماً هناك موضوع ذو صفة استعجال أكبر، في حين أن قضايا المرأة وحقوقها ومساواتها التامة مع نظيرها المواطن الرجل يجب أن تكون على سلم الأولويات لنا كمواطنين، وكشعب متحضر يعيش القرن الواحد والعشرين، وكبشر يبتغون الاستقرار الاجتماعي والتطور والرقي الاقتصادي والسياسي. وإلا فهل يعقل أن تكون الوزيرة أو النائبة، هذه القائدة والمشرعة غير قادرة على الفكاك من زواجها إلا بإذن الرجل؟ هل يعقل أن تعجز السفيرة أو الملحقة الثقافية عن توقيع ورقة مدرسة لابنها أو التحكم في الحساب البنكي لابنتها أو حتى تسلم العلاوة المالية لهم؟ إلى متى هذا التناقض والنفاق السياسي والتشريعي والاجتماعي الذي نعيشه؟
يقولون المرأة أكثر عاطفية، متسرعة في قراراتها، ثم يضعون كل مسؤولية استقرار البيت وتحمل مظالم الرجل على عاتقيها، وفي حين يُعاقَب الرجل مخففاً إذا وقع على خيانة زوجته فقتلها، تصل عقوبة المرأة إلى الإعدام في حال قبضت على رجلها متلبساً بخيانتها فقتلته، أوليس من الأولى أن تعاقب هي مخففاً بما أنها الأكثر اندفاعاً وعاطفية؟ في كل تقنيننا السياسي وأحكامنا الاجتماعية الخاصة بالنساء نعيش في دولنا الخليجية تناقضاً ونفاقاً وتضارباً يكاد يصل بنا إلى حد الأمراض النفسية المزمنة، فأين هو المشرع والمنقذ من هذه القضايا الخطيرة؟ متى تضعون الضغائن والمواقف السياسية الشخصية جانباً وتبدؤون بتحقيق شيء ما لهذا المجتمع، خصوصاً أنكم “المتنورون المتطورون المخلصون لهذا الوطن”؟
«آخر شي»:
سألتني صغيرتي ذات الأحد عشر عاماً: “ماما اللي يراقبون الكتب في المعرض كم واحد؟ يقرؤون كل الكتب في المعرض؟ إشلون يقدرون ومتى يبدؤون يقرؤونها عشان يحكمون؟ شنو يدرسون عشان يقدرون يفهمون كل هذه الكتب؟”… ومنّا إلى المختصين برقابة معرض الكتاب، “في أجوبة لأسئلة صغيرتي؟”.