ملوخية
قالها كاتبنا الرائع حسن العيسى في مقاله ليوم الخميس الماضي، لم تأت الوزيرة الصبيح بتصرف غير قانوني، ولو أنها رفضت طلب جمعية الإصلاح «لحق للجمعية الطعن على قرار الرفض الصريح أو الضمني أمام القضاء الإداري». الكرة في ملعبنا في الواقع، كما يشير العيسى، مو عاجبنا الوضع؟ لدينا «ماما وبابا السلطة… وليكن خطابكم الغاضب لها لا لجمعية الإصلاح وغيرها».
إلا أننا جماعة «جعجع»، لا تمتّ للسيد سمير جعجع بصلة، نجعجع ونصيح ونهبط إلى لا شيء، والحقيقة أنني لا أفهم الغضبة والتخوف من اتساع صلاحيات جمعية الإصلاح، فالجماعة متوسعون دون قرار، وفارضون نفوذهم دون إذن، وغارسون عقيدتهم دون سماح من وزير أو غفير. يا أحبة ألا تنظرون في الطريقة التي يدار بها البلد، في نوعية الرقابة الدينية المفروضة؟ نحن بلد يمنع مئات الكتب في معارض الكتاب، بلد لا يجنس غير المسلم، بلد ضوابط الحفلات الثلاثة عشر، بلد منع الحفلات المختلطة في الفنادق، بلد إعادة المثقفين من حيث جاؤوا فور وصولهم إلى مطارنا. يا أعزاء ألا تطلعون على مناهج التربية الإسلامية التي تدرس لأبنائكم في المدارس؟ إنها «إصلاحية» من الدرجة الأولى، فمن التركيب العضوي المميز للرجل الذي يحرم عليه لبس الحرير، إلى تقصير الدشداشة، إلى تحريم المصافحة، إلى التنفير من الديمقراطية في درس كامل يقارن بين الشورى والديمقراطية معرفاً الأخيرة «سلباً» على أنها «النظام الذي تكون فيه سلطة إصدار القوانين والتشريعات من حق الشعب أو الأمة أو جمهور الناس» إلى عدم جواز استخدام بطاقات البنوك «الربوية» الائتمانية، والتأكيد على ضرورة التعامل مع البنوك الإسلامية، إلى «قتل المرتدين حفاظاً على أمن الدولة الإسلامية» إلى «بيان مكر اليهود والنصارى والمنافقين وكيدهم للمؤمنين في كل زمان ومكان» إلى «تحريم مناصرة ومحبة الكافر ولو كان أقرب قريب» إلى فتنة النساء التي هي «أعظم فتن الدنيا» إلى «مخاطر اختلاط الرجال والنساء» إلى غض البصر لأنه «بريد الزنى» إلى تعليم طبائع وعادات الجن. كل هذه غيض من فيض موجود في مناهج التربية الإسلامية، تُحشى بها عقول صغارنا كل يوم، ثم نتساءل: لماذا ينضم هذا الشاب إلى جماعة متوحشة كـ»داعش»؟ لماذا اندفع ذاك باتجاه الشرطة محاولاً سحقهم صائحاً بكفرهم؟ كيف يسمح لمنهج تربية إسلامية تعليم الصغار أن ديمقراطية بلدهم هي خارج ملّتهم الدينية، وأن بنوكهم ربوية، وأن بطاقات أهاليهم الائتمانية محرمة شرعاً؟ وزارة التربية تحرّم ووزارة المالية تفتح البنوك، وزارة التربية «تبين مكر اليهود والنصارى» ووزارة الخارجية تعقد العلاقات الخارجية معهم، وزارة التربية تقول بحرمة الديمقراطية والدولة تقوم على دستور وتسير على برلمان، وزارات وقرارات وسياسات ولا سياسات كلها تمشي عكس بعضها بعضا، كلها ترقص على نغم «الإصلاح»، وللتو تغضبون؟
يا عمي، الموضوع راح ومضى وأصبح عندنا جيل «إصلاحي» أصيل، ومن كل «الأطراف» رضينا أم أبينا، نَفَس جمعية الإصلاح في كل ورقة من منهج التربية الإسلامية بل من منهج اللغة العربية، كما هو نَفَس ست البيت الأصلية في «طشة الملوخية»، ونحن نستوعب الآن؟ الملوخية طبخت، والأرانب استوت، والرز تحمر، وبالهنا والشفا.