مرض
سيدرسك التاريخ كحالة مرضية نافذا إلى عمق تناقضاتك الشخصية، سيحكي عن حياتك ومسلكك، وسيقص لأبناء وبنات زمنه كيف أنك خربت وجه بلد صغير ثري، كيف أنك لعبت بالعقول والقلوب، كيف أنك وصلت وبقيت تصل رغم كل الخراب الذي تسببت فيه وكل التناقض الذي أظهرته.
هل تعرف كيف سيذكرك التاريخ؟ تماماً كما يذكر عتاة القساوسة الكاثوليك الذين أغرقوا أوروبا في الظلمات وقتلوا العلماء وأحرقوا الكتب. سيتخلى عنك مسلمو المستقبل ويعتذرون نيابة عنك ويتأسون أن خرب سمعة دينهم أمثالك. سيدرسك التاريخ كحالة مرضية نافذا إلى عمق تناقضاتك الشخصية، سيحكي عن حياتك ومسلكك، وسيقص لأبناء وبنات زمنه كيف أنك خربت وجه بلد صغير ثري، كيف أنك لعبت بالعقول والقلوب، كيف أنك وصلت وبقيت تصل رغم كل الخراب الذي تسببت وكل التناقض الذي أظهرت. سيتساءل التاريخ عن سبب وصولك، سيحلل العقليات المتشكلة في عمق الماضي، سبب إصغائها، تداعيات تصديقها، منافذ قناعاتها، دوافع استسلامها، استسلامها لكذبك وادعاءاتك وتناقضاتك. سيدرسك التاريخ ولن يفهمك، فهو لا يعيشك كما نعيشك، وهو لا يشهد بأم عينيه تحايلك ومناوراتك وتغييرك لجلدك دون أن تقطر منك قطرة حياء كما نشهدك. سيتساءل التاريخ، وتكون أنت في عداد الموتى ولن تستطيع أن تكذب، وسأكون أنا في عداد الموتى ولن أستطيع أن أشرح. نودع التاريخ ما نترك له اليوم، نأمل أن يفهم الإرث فعلياً، نتمنى أن يتعظ من الحكايا والقصص حتى لا يكررك ويكرر مأساتنا معك.
لا أدري تحديداً كيف سيقيمنا التاريخ، أيلومك أم يلوم مؤيديك أم يلوم حكومتك المرتعدة فرائصها، من هنا تعلن دحرها للتيار المتشدد الذي، حسب ادعائها، كان ينشد انقلاباً على نظام البلد، ومن هناك تحوك لك طرف دشداشتك القصيرة إذا ما طالت في يوم أو تفتقت خيوطها. من يحمينا منك؟ من يحمينا من مخاوفنا التي تجعلنا نلجأ إليك؟ من يطمئننا أن مفاتيح الجنة لا يمتلكها إنسان يكذب بفجاجة، أن صكوك الغفران لا يخطها من يسرق مقالاته، أن رضا الله لا يمر من خلال إنسان يشتم الآخرين ويحقرهم ويتهمهم في أخلاقهم وهو على ما هو عليه؟ من لنا في زمنك؟ من أين لنا بالعدل والحرية وأنت الحليف والوليف؟ كيف يمكننا أن نغير الحال وأنت تمر من تحت سقف أخطائك البشعة دون أن يمسك ضرر؟ تقول أشياء مؤذية، تصرح تصريحات لا منطقية مضحكة، تشتم أبناء الملل الأخرى، تبصق في وجوه أعدائك، وبين الفينة والأخرى تتسرب روائح أخبارك كأنها مياه عطنة ما تعرضت لشمس قط، ومع ذلك أنت ثابت صامد، تعود كما الإنفلونزا المزمنة فصلا بعد فصل، لا أنت الذي تقضي علينا فنموت ولا أنت الذي تتركنا أصحاء فنعيش، مرض صنعناه وعجزنا عن صنع دوائه. نشتكيك للمستقبل، ليس لنا سوى أن نخبر عنك البشر القادمين علهم ينصفوننا ولو تاريخياً منك.
أعتذر من القراء، لست ممن يمتهن القسوة، كما أنني أعلم أن لكل شرير أحبة يؤلمهم ما نكتب، ولكن نموذجه لم يترك في القلب مكاناً للتسامح، أصابنا بعدوى كراهيته، غفر الله له وكفانا شروره.