لقلق
في مقال لميرزا الخويلدي يوم 24 فبراير تحت عنوان “بحرينيون لم يقرأوا أمبيرتو إيكو” يتحدث عن كتاب مهم لإيكو بعنوان “دروس في الأخلاق”، والذي يتناول قضايا غاية في الأهمية، أنا لم أقرأ الكتاب إلا أن بعض اقتباسات الخويلدي أكدت الأهمية القصوى لمادته. ينقل لنا الخويلدي كلمات مترجم الكتاب سعيد بنكراد “الوحدة ليست انصهار الواحد في ذاته، بل هي طريقة في ارتباطه مع الآخر”، كما ينقل عن إيكو قوله “الآخر هو من يحددنا”، وكذلك “وجود البعد الأخلاقي مرتبط بظهور الآخر، فالغاية من كل قانون، أخلاقي أو حقوقي، هي تنظيم العلاقات بين الأفراد، بما فيها العلاقة مع آخر هو من يفرض هذا القانون”.
من هنا يذهب الكاتب إلى مبادرة بحرينية مشوقة تقوم بها جمعية “الهملة” الخيرية “لتزويج الشباب من أبناء الطائفتين في البلاد دون تمييز”، ستقيم الجمعية حفل زواج جماعي يضم 50 معرسا وعروسا، حيث يقول رئيس الجمعية جعفر مبارك للكاتب الخويلدي “نريد أن تجمعنا الأفراح”. يقر مبارك، كما يورد الخويلدي، بأن المبادرة غير شعبية وستجابه الكثير من العراقيل، إلا أنه يعود فيؤكد لمحدثه “علينا البدء والاستمرار فهذا الوطن بحاجة للجميع. ولذلك فهذه المبادرة تستحق الدعم والمؤازرة”.
ماذا لو ظهرت لدينا مبادرة من هذا النوع؟ الشعب الكويتي أقل بساطة وأكثر طبقية من الشعب البحريني بمراحل، وهو، على الرغم من انفجار الوضع في البحرين، معرض لانقسام طائفي أشد خطورة وأعمق انغراساً. لا أحد يتمنى هذا الواقع، لا يمكن لأشدنا تشاؤماً أن يتخيله إن لم تكن له جذور نستشعرها وبراعم سوداء نرى رؤوسها القميئة تطل علينا من تراب الأرض، لذلك لم يذهب سعود السنعوسي بعيداً في “فئران أمي حصة” وهو يتخيل قادما أسود يحيلنا إلى حرب أهلية كويتية، ولم تخطئ مرماها الحكومة في منعها الكتاب، فهو يقدم حالة ممكنة جداً، وهو يحلل المساهمة الحكومية في الوصول للحالة بشكل واقعي جداً. قراءة الكتاب ستثير الذعر وتفتح الأعين وتوقظ العقول الخامدة، ومتى كان فتح الأعين وإيقاظ العقول شيء جيد لأي حكومة شرق أوسطية؟
ماذا لو طرح مشروع تزويجي بين سنّة وشيعة، مسلمين ومسيحيين في الكويت؟ لست أصل لتنفيذ المشروع، بل من الممتع المرعب تخيل ردود الفعل فقط لطرحه، ونوعية مقاومته، والتعليقات التي ستملأ “تويتر” حوله، ومن أشخاص لهم من قذاعة اللسان ما تعادل شعبيتهم، وهي المعادلة التي لا أكاد أفهمها، كيف يبقى الناس يحترمون ويتبعون من يستخدم لفظة النعال في تغريداته تجاه مخالفيه؟ كيف؟ إنه ولاء ديني، يتحول من خلاله الأتباع إلى عميان بصيرة، فلا يرون من متبوعيهم إلا اللحية أو الدشداشة القصيرة أو العمامة المستديرة وطرشان زفة، فلا يسمعون من متبوعيهم إلا طرقات المسبحة. ولأننا نعيش في معظمنا حالة من العمى والطرش، فإن فئران السنعوسي واردة جداً، ولأنها واردة جداً، فإن الكتاب ممنوع جداً، هكذا ببساطة.
يختم الخويلدي مقاله باقتباس لإيكو الذي يقول “العزلة لا تقود إلا إلى الفاشية”، ثم يقتبس مثالاً ذكره المفكر البحريني الدكتور نادر كاظم، والذي يقول فيه “سئل أحد الحاخامات: لماذا صنف طائر اللقلق في اللغة العبرية بأنه طائر قذر؟ أجاب: لأنه لا يمنح حبه إلا لأفراد عائلته”.