ناشطات نسويات في ألمانيا يعترضن على افتتاح ما يسمى المنزل ـ الحلم لباربي في برلين عام 2013
كهولة مبكرة
في الحلقة الأولى من برنامج “صوت أفكاري” للمخرج الكويتي المبدع يعرب أبو رحمة والتي عنوانها “إنتي حلوة”، تتبادل عدد من السيدات “حوارا حقيقيا” كما تصفه الحلقة حول مفاهيمهن بالنسبة للجمال ومعناه الشكلي والنفسي وتجاربهن الشخصية مع هذا المفهوم الشائك الجميل والذي أصبح اليوم صناعة عالمية تدر الملايين على الجميلات والبلايين على الشركات التي تنتج لهن أو توظفهن.
تحدثت السيدات عن معنى الجمال بالنسبة لهن، تبادلن أطراف حديث، بدا طبيعيا عفويا غير ممنتج، حول مشاعرهن الشخصية تجاه أشكالهن وأجسادهن ونقاط الضعف التي يعتقدونها في أنفسهن جماليا والتي أثرت عليهن وغيرتهن في مراحل المراهقة المبكرة.
تحدثت هؤلاء السيدات كذلك حول الطريقة التي وصلن بها للسلام مع أنفسهن، مع ما اعتقدن أنها معضلات جمالية تعاركن معها جسديا ونفسيا وصولا إلى حالة من الرضا والسلام معها في هذه من الحياة.
لا أعتقد أن فتاة أو سيدة في العالم كله قد فاتتها هذه التجربة الأليمة؛ تجربة تقييم شكلها الخارجي الذي يجب أن يقف متحديا عارضات أغلفة المجلات، جميلات السينما والتلفزيون، ساحرات عروض الأزياء، وفاتنات السوشيال ميديا (مؤخرا) حتى يستطيع شكلها هذا أن يثبت نفسه إلى درجة ما وأن يرضيها عن نفسها قياسا بمستوى الجمال العام الذي ارتفع واشتد في السنوات الأولى من القرن الواحد والعشرين.
أينما تلفتنا، تصنع الجميلات الإعلام؛ يصنعن الاقتصاد؛ يتحدين أشكالنا الطبيعية التي لا يمكن لها أن تصل في يوم إلى هذه الدرجة من الكمال التي تصنعها التكنولوجيا الطبية والرتوش الإلكترونية.
لطالما شكلت هذه الظاهرة مشكلة حقيقية، حتى أن الأميركيين أسموها بظاهرة “صورة باربي” وهو مصطلح يشير للعبة باربي التي تسوق للفتيات، منذ سن مبكرة جدا، مقاييس ومستوى جمال غير حقيقيين، حيث أن مقاييس لعبة باربي مستحيلة التحقق بيولوجيا كما يقول العلماء، فالمرأة التي لها مقاييس أرجل وصدر وخصر باربي، لن تتمكن من الاعتدال في القامة أو المشي دون السقوط المستمر أماما على وجهها.
المحصلة هي أن الإعلام بمجمله يسوق لنا صور جمال لا يمكنها أن تتحقق؛ صور تجعلنا نلهث باستمرار دون إمكانية الوصول في يوم، ووجود جميلات أو “فاشونيستات” وسائل التواصل الاجتماعي حاليا تأكيد على أهمية الجمال، بمقاييسه المختلفة، ليس فقط في صنع الاقتصاد وتحريك الإعلام بل وفي صنع الرأي العام أيضا، حيث أتت التكنولوجيا الحديثة بهذه الجميلات من أغلفة المجلات ومن خلف شاشات السينما والتلفزيون إلى شاشات هواتفنا الصغيرة ليصحبننا ويشكلن حيواتنا حيث كنا.
هل هناك معضلة أخلاقية في استخدام الجمال وتسويقه والتسويق لأشياء أخرى من خلاله؟ لأكون صادقة لا أجد في استخدام الجمال تلك المعضلة المبدئية؛ فجمال الشكل، مثله مثل طلاقة اللسان أو أي مهارة أخرى يملكها الإنسان، هو مدخر يمكن إحسان استخدامه وتحقيق الكثير من الخير في استثماره، إلا أن مما لا يمكن نفيه هو أن مخلفات هذه الصناعة كثيرا ما تكون سامة نفسيا وجسديا على من ليس لهن نصيب فيها. لربما تكمن المعضلة في معنى بيع قيمة الجمال، والتي هي قيمة لا فضل لصاحبها فيها ولا ضامن لها على مرور الزمن، فهي القيمة الوحيدة التي تتناقص ولا تتزايد بمرور الوقت وتقدم العمر. كيف تؤثر فكرة المدخول الهائل المادي والمعنوي للجمال على لا يملكونه وإنما يقفون شهودا على روعته من بعيد؟
ولدت لأم رائعة الجمال، طفلة كبيرة الحجم، ملفلفة الشعر، لا تحتكم على الكثير من جمال أمها أو رقة مظهرها. عند وصولي لسن الثالثة عشر، كانت سندريلا هي عدوتي اللدود بمقاس حذائها بالغ الصغر والذي كان إشارة واضحة لجمالها وذلك على عكس قدماي الكبيرتين اللتين بديتا كقاربين صغيرين أسفل قامتي ممطوطة الطول.
كنت بمظهري الكبير المختلف عن مظهر معظم جميلات العائلة كالبطة العرجاء، أفوق في حجمي معظم بنات جيلي، وأقل عنهن في نعومة شعري ورقة قدي ونمنمة تقاطيعي.
أتذكر معاناتي وأنا صغيرة وقد استطالت قامتي فوق كل من تكبرنني عمرا، ومع تجعد شعري وغلاظة حاجباي وتضخم بقية تقاطيعي، لم أجد بدا من أن أكون أكبر من عمري. انقطعت علاقتي بصغيرات العائلة الجميلات، لم أكن أستمع لموسيقاهن أو أهتم لاهتماماتهن؛ كنت ألبس التنانير الكلاسيكية وأستمع لأم كلثوم وأقرأ الحطيئة وأنا بعد في الخامسة عشر، قررت أن أكون كهلة تمتلك حكمة بما أنني لم أستطع أن أكون يافعة تمتلك الجمال.
وبعد أن كبرت ونقبت عن جمال في خضم كل ما كان عبئا بيولوجيا على كاهلي، وبعد أن حاولت صنع السلام مع بعض نواقصي، ها أنا بعد لم أسامح شكلي تماما، بعد لم أتغلب على كل مشاعر النقص والإحراج، فتراني أحيانا أنقلب لتلك المراهقة الكهلة في لحظات غير متوقعة، لتخرج من أعماق نفسي مشاعر ألم فتية لم ينضجها العمر ولم يخفيها الزمن.
لربما هذا ثمن باهظ لصناعة وتجارة الجمال، لربما هنا هي معضلته الأخلاقية. ولربما تستطيع الجميلات القادمات أن تغيرن من مفاهيم الجمال وتقييماته لتجعلنه أكثر اتساعا وقبولا وتنوعا وأقل عنصرية وقسوة. لربما يتحول هذا المجال إلى مصدر قوة للنساء وإثراء للثقة بالنفس عوضا عن ما هو عليه حتى اليوم كمصدر لزعزعة الثقة ودافع للوصول إلى ـ وبالتالي التعذب ـ غاية لا تدرك. لربما تتغير الحياة لصغيرة مستقبلية ملفلفة الشعر ضخمة القدمين، لتجد في نفسها جمالا لا يحكمه ويحاكمه الآخرون.