«كتكوت»
ما الذي أتت به هذه المواطنة التي هُدِّدت بـ«الصك على الرأس»؟ ما الذي يمكن أن يبرر إيقاع رجل أعزل وضربه وسحله وإهانته بهذا الشكل؟ لنفترض أن هذه المواطنة وذاك المواطن قد أغلظا القول وأقبحا التصرف، فهل مهمة الأمن تربيتهما؟ هل منوط بالأمن إصدار الأحكام وتنفيذها في التو واللحظة؟
كتب يقول لي: “رجاء عدم المبالغة في ردود الأفعال”، تأملت الجملة طويلاً، تارة تنتابني ضحكات متقطعة متلاحقة، وتارة “انشداه” يأخذني إلى التفكر في عمق الأصل البشري، الإنسان العربي نموذجاً، هذا الإنسان الذي مهما تمدن وتحضر، لا يزال يعتقد في العنف الجسدي أسلوباً وحلاً.
لربما معه حق، لربما بالغت أنا في ردة فعلي عندما كتبت أستغرب تهديد مواطنة بجملة “أصكج على راسج” وأستنكر إسقاط مواطن على الأرض ثم ضربه وسحله في تجمع الإرادة الذي تم قبل أيام، لربما أنا أبالغ، فقبل الاستنكار كان لابد أن أعد فنجان قهوة وأشعل سيجارة، وإن كنتُ لا أدخن، وأجلس أفكر، ترى لمَ أقدم رجل الأمن الطيب على هذا الفعل؟ ثم لابد من الاستماع للمسلحين “الأمنيين”، لعل سبباً ما “أجبر” هؤلاء على التهديد والضرب والسحل… دفاعاً عن النفس؟ هاجمتهم الجموع المتظاهرة فاضطروا أن يدافعوا بأيديهم عن أنفسهم؟ ربما، لكن الفيديو يظهر مجموعة رجال أمن يتجمهرون حول مواطن يسقط أرضاً ويستمر ضربه على الأرض ثم يسحل جراً. جائز أن هؤلاء المواطنين الخطيرين تشاتموا مع “الأمن” فأفقدوهم أعصابهم؟ لا، لا، أستبعد ذلك، فرجل الأمن لا يرد الشتيمة بالضرب، بل لا يرد الاعتداء باعتداء مثله، يدافع عن نفسه، نعم، لكن لا يعتدي، فواجبه ينحصر في الحفاظ على الأمن والقبض على الجناة وتسليمهم إلى قضاء يحكم فيهم وينفذ.
فما الذي حصل في تلك الليلة الغبراء؟ بل ما الذي يحدث منذ زمن، لربما منذ أحداث ديوان الحربش التي ضرب فيها د. عبيد الوسمي وسُحِل؟ هل تلبسنا الجان؟ هل هي “زيران”؟ هل المعارضة المفككة المسكينة التي خرقتموها واخترقتموها من كل جنب حتى أصبحت أشبه بمنخل صدئ ومخيفة إلى هذا الحد؟ ما الذي أتت به هذه المواطنة التي هُدِّدت بـ”الصك على الرأس”؟ ما الذي يمكن أن يبرر إيقاع رجل أعزل وضربه وسحله وإهانته بهذا الشكل؟ لنفترض أن هذه المواطنة وذاك المواطن قد أغلظا القول وأقبحا التصرف، فهل مهمة الأمن تربيتهما؟ هل منوط بالأمن إصدار الأحكام وتنفيذها في التو واللحظة؟ ولمَ لمْ يعد هذا الأمن يخشى تصوير الفيديو وانفضاح العنف؟ بودي أن أفهم حتى تترتب العلاقة بيني وبين هذا “الأمن” المرعب، أمن “واصل” لا يتوانى عن ضرب المواطنين، ولا يخشى تسجيلاً لهذا الضرب ولا توثيقاً، ما الحكاية بالضبط؟ مسٌّ من الجان أم وسوسة شيطان؟
مركز إنساني يُضرَب فيه المواطنون ويسحلون، ماشي، نفوتها ونحن الذين اعتدنا أن نفوّت ما هو أكبر منها وأعظم، لكنْ مركز إنساني ونصف شعبه يشمت بالنصف الآخر فيَستحسن إهانته ويشجع ضربه؟ مركز إنساني يطالب فيه أحدهم، ومثله الكثيرون، بـ”عدم المبالغة في ردود الأفعال” بعد ضرب مواطن وسحله على مرأى من العالم أجمع؟ انفضحنا، الآن سيظهر أننا اشترينا لقب المركز الإنساني بفلوسنا، لا سمح الله.
آخر شي: “هذا شريط مو بيض يخترب”، نعم صحيح، بس ممكن يفقس.