في قلوبنا: كريستال
الكتابة حالة من الأنانية التامة، ينغمس فيها الكاتب في آرائه وتجاربه، محاولاً إظهار تلك الآراء والتجارب في أبهى حلةأحيانا.. وأحياناً في أقساها، إلى أن يأتي قارئ، فيرسل تعليقاً خاصاً، خالياً من أنانية ونرجسية الكتابة المنشورة، تعليقاً يفوق في جماله وتأثيره الموضوع المنشور.
ذاك كان حال مقالي المنشور في 8 ديسمبر الماضي بعنوان «فنجان قهوة من السيد فرنسوا» حيث زار صفحة مقالاتي الإلكترونية القارئ الكريم الأستاذ محمد، تاركاً واحدا من أجمل التعليقات التي قرأتها منذ أمد طويل. تعليق يستحق أن يفرد له عمودي الأواني، يقول الأستاذ محمد معلقاً على جزئية المعاداة العربية الإسلامية الحالية لجماليات الحياة:
كان نصف الشقق في عمارتنا مؤجرا لغربيين. اثنين من أستراليا وواحد من بريطانيا. كانت شققهم تحفة في الذوق. مصابيح إضاءة مغطاة بأكواب بلاستيكية ملونة. رسومات طفولية وقصاصات قماشية تغطي جدران الردهة. صوت موسيقى رقيقة وهامسة تكسو خلفية الدردشات القصيرة والباسمة.
وفي غرفة المعيشة، ترين طاولة كريستال نحيلة ومرتفعة فوقها إبريق ماء سمين وقزم، غطاؤه على شكل طربوش ظريف. كنت طفلاً حينها وتمنيت بيتاً لذيذاً مثله. لكني أعرف اليوم وأنا أجول بنظري في شقتي الخاصة بأن المسألة تتعلق بالخيال أولاً. فمهما حاولت، فإنني لن أستطيع التحليق بخيال أقعده ثلاثون عاماً من التلقين المصمت.(حرام)، (عيب)، (كبّر عقلك)، (ينقدون عليك الرجاجيل وأنا أخوك). شقتي مثل شارعي مثل مدينتي مثل حياتي بأسرها: مملة ورتيبة وخالية من أي لمسات تميز الفرد (أ) في القطيع عن الفرد (ب). فات الأوان الآن. أخشى لو حاولت أن أضفي طابعي الشخصي على ما حولي أن أكون مثل دب يرقص في غرفة المعيشة تلك: غرفة الكريستال.
آلمتني تلك السطور أخي محمد، ذكرتني بأننا لانزال، جيلاً بعد جيل، نكبر على معاداة الفرح والجمال. تربينا على أن توقان أنفسنا خطيئة، وأننا كلما قاومنا رغباتنا، أصبحنا أقرب للخالق وأبعد عن هذه الخطيئة. حدّب ظهورنا منذ الصغر الذنب والخوف، خوف في الدنيا من عقوبات مختلفة تواجهنا، وأحياناً من جزاءات تلاحقنا على حسن إيماننا، فالمؤمن مبتلى والكافر معذب، ثم خوف من الآخرة التي نذوق فيها جميعاً العذاب، كل ذائقها بلا استثناء، وذلك بعد المرور بمروعات القبر التي تترك النفس البشرية في حالة شلل فكري وانهزام نفسي لا مثيل لهما. كلنا نشعر باحتداب ظهورنا بالذنب وامتلاء أجسادنا بوبر الخوف، كلنا في النهاية دببة لا نعرف كيف نتعامل مع الجمال، وحيثما نحاول أن نمد أيدينا لنتحسسه، فإننا نكسره فضولاً، أو رغبة، أو بدافع من تأنيب الضمير، هكذا تعلمنا، هكذا تبرمجنا، نحن نخاف الدنيا وجمالها كي يحصدها بثمن خوفنا المخوفون.
ولكن يا أخي العزيز، لم يفت الوقت، ولن يكون متأخراً أبداً أن نبدأ بإضافة قطع كريستال صغيرة إلى حيواتنا تشع وتعكس الأضواء على وجوهنا. بيتك واحة وسط صحراء لأنك تسكنه ولأن عقلك الجميل يسكنك. في يوم ما سحيق، كان الغربيون دببة تكسر كل ما هو مميز، إلى أن سقطت القلعة واستسلم الخوف لحب الحياة البشري، سيأتي دورنا حتماً، ونستطيع أن نسرع من مجيئه، أنا وأنت وغيرنا كثير، كل يبدأ بقطعة كريستال صغيرة، عندها سيضيء حينا كله. نستطيع أن نجعل بيوتنا لذيذة، ويمكننا أن نملأها بأقزام ذات طرابيش ملونة، وأكواب مقلوبة وشخابيط مرحة وحتى ضفادع نقاقة اذا أردنا، يمكننا أن نضع فيها ما نشاء وما يسعد قلوبنا، لسنا ملزمين بثقافة القطيع، لسنا محكومين بأن نكون دببة لآخر الدهر…هناك أمل، الكريستال في متناول…القلب، انه داخلنا.
آخر شي
شكراً لرد الداخلية السريع على تصريح مبارك البذالي المروع. نرجو وجودكم بكثافة في هذين اليومين للحفاظ على الأمن، لأنه في الغالب ستكون هناك ردود فعل قوية اذا ما حاولت لجنة المنكر التعرض للمواطنين. لن نكون دببة ولن نلبس الحدب على ظهورنا، لا باسم الدين، ولا باسم الأخلاق، ستظل ظهورنا مستقيمة ومن يرى أن قاماتنا تعلو تطلعاته، فليخفض هذه التطلعات التي لن يصد بها قاماتنا ولن يحجب بها ضوء الشمس.