فلافل
يصرخ الكثير من نواب مجلس الأمة اليوم اعتراضاً على الاقتراح بقانون الإعلام الموحد الجديد، وتلك المعضلة مبدئية لمجلس تدخلت في تشكيله الحكومة والسلطة، حيث لا يختلف “الإصلاح” الذي يحاول أن يقننه قانون الإعلام الموحد كثيراً عن “الإصلاح” الذي ابتغاه مرسوم الصوت الواحد، إصلاح قسري لا يعتمد الإرادة ولكن التأديب. فكيف لمجلس بني على فكرة الوصاية أن يرفضها الآن؟
ولقانون الإعلام الموحد جانب طريف إن أمعنا النظر، فهو قانون يحابي الأغنياء، وحدهم لهم الفرصة في قول ما يريدون، أما أنا، فمقال خطأ عن الموضوع الخطأ، أبيع بيتي وأقدم طلب إعانة من وزارة الشؤون، والحقيقة أنه في عمق مفهوم “الرأي” لا يوجد “خطأ” أصلاً. هناك آراء مختلفة، آراء جيدة وهزيلة، آراء محترمة ورخيصة، وحتى تلك الأحكام تتفاوت ولا يمكن القطع بها، إلا أن الخطأ والصواب لا يدخلان أصلاً كأحكام على مفهوم الرأي، حيث لا يتجلى هذان الحكمان إلا في حالات الكذب المباشر، إن كان ما قيل كذباً يمكن إثباته فهو خطأ، أما أكثر من ذلك، فيبقى الرأي رأياً لا يمكن الحكم بصوابه أو خطئه.
وماذا عن السخرية والنقد الجارح؟ تلك مقاييسها تدلل على المجتمع المعني بها، كلما كان المجتمع أكثر قبولاً للنقد الجارح، كان أكثر ثقة مع نفسه وأكثر إيماناً بالحرية، وكلما تقلص القبول تقلصت الثقة والحريات معها. ما علينا، دعونا في الطرافة، فقانون الإعلام الموحد يريد أن يلاحقنا على وسائل التواصل الاجتماعي، وأتذكر أنني عندما رزقت بابني الأول كانت والدتي تنصحني، لا تضعي أوامر وشروطاً تدركين أنها ستكسر ولا تقدرين على ضمان تنفيذها، من أجل كرامتك وهيبتك كأم. والدتي سيدة حكيمة، من الأجدر أن نأخذ بمقولتها، تلك التي لم أقتنع أنا بها إلا بعد أن أحرجت نفسي أكثر من مرة، ولست أروم اليوم سوى إنقاذ حكومتي الحبيبة من الإحراج بما أنها وصية علينا لا في الحياة الدنيوية فقط، ولكنها ستدخلنا الجنة رغم أنوفنا في الحياة الأخروية كذلك.
وبعد أيها القانون، فإنك لم تدع أحداً إلا وقدسته وحميته، فالقانون تقريباً يمنع مناقشة التاريخ الإسلامي من أي زاوية غير تلك التي توزع علينا “بمنشورات رسمية”، ويمنع النقد السياسي غير ذاك الأليف اللطيف، والاحتفالات العامة تحتاج إلى إجراءات يبدو أنها قد تستغرق سنوات، والأفلام لا تعرض إلا بعد تصاريح وموافقات، ثم إليكم هذا المقطع، أعتقده من أطرف المقاطع في نص القانون: “يحظر نشر أو بث أي إعلانات تجارية أو غيرها في المطبوعات أو الصحف أو وسائل الإعلام المرئي والمسموع إذا تضمنت ما يلي:
1 – الشعارات التي تمجد بعض الدول ضد دول أخرى.
2 – الشعارات والصور التي تمجد بعض الشخصيات السياسية أو الدينية غير الكويتية.
3 – الشعارات والصور التي تمجد أو تؤيد بعض الأحزاب الدينية أو السياسية داخل أو خارج دولة الكويت”.
يعني مثلاً إذا أردت أن أكتب مقالاً يمتدح جمال عبدالناصر، أو موضوعاً يتحدث عن بابا الفاتيكان لا يجوز، غير كويتيين يا حبيبي، عندما يصبح البابا كويتياً، نتكلم وقتها، ومن واقع رؤية حالية، أمله في الجنسية أمل تحصله على كأس المسيح المقدسة. ومن هنا، نتوجه بالنصيحة إلى كافة الأحزاب السياسية بإزالة شعاراتهم، فهي مواد مخدرة ممنوعة من التداول طبقاً للقانون الجديد، وأساساً لا يجوز تأييد الأحزاب السياسية داخل الكويت، يعني يا حبذا لو لممتم البؤجة وارتحلتم، كيانكم كله على بعضه مخالف ومعادٍ للسلطة. تحت بنود هذا القانون العالم ابن سينا كان سيصبح كافراً يستحق السجن، بل هناك مصيبة أبعد، فالقانون يحظر نشر أي مادة تحض على “اعتناق مذاهب ترمي إلى هدم النظم الأساسية في الكويت بطرق غير مشروعة”، فهل المذاهب الحالية في الكويت تتوافق ونظام الحكم المدني فيها، وهل هناك طرق مشروعة في هدم النظم الأساسية؟
هذه مقتطفات من قانون الإعلام الموحد، والذي لا أقصد بكل تأكيد الإساءة إليه أو إلى واضعيه، إنما المسؤولية هي مسؤولية جريدة “الجريدة” التي مع مستوى الحريات فيها ونوعية كتابها ستقفل أبوابها بعد أسبوع من تطبيق القانون وتقلبها مطعم فلافل، هذا إذا لم تمنع الفلافل كرمز مزعج له دلالات حراقة. والقادم أسوأ.
“آخر شي”:
اليوم تبدأ فعاليات المؤتمر الأول لعديمي الجنسية في الكويت، تابعوا الأخبار على @StatelessInQ8