عوّامة
يتدهور المشهد السياسي الديمقراطي سريعاً وعنيفاً في الكويت، وفي رأيي في المنطقة الخليجية بأكملها رغم الهدوء السطحي الذي يغمر الدول المحيطة بالكويت، بسبب الالتفافات العنيفة التي تتعرض لها دول المنطقة.
فمن التزام حاسم مع القضية الفلسطينية إلى ارتدادة شاملة عنها تصل حد تبني علاقات متكلفة ترش الملح على الجرح، ومن محافظة ومظهر تديني صارمين إلى انفتاح مغالى به لا يعكس الواقع المجتمعي ولا تطوره الفكري، ومن علاقات دبلوماسية مع هذه القوى إلى قطع العلاقات مع القوى المضادة لها، تبدو المنطقة بأكملها وكأنها تأخذ التفافة حادة ضيقة الطريق على ارتفاع جبلي شاهق.
لربما المشاكل الداخلية للنظام وتصارعات قوى التجار والقوى المحافظة وقوى الأسرة الحاكمة ليست كلها بتصارعات جديدة على المشهد الكويتي، ولربما وإلى حين قصير، كان الشعب ينظر لهذه “المعارك” على أنها ثمن للديمقراطية وأحياناً نتاج لها.
إلا أن هذه الصورة المنمقة سرعان ما تداعت حين مست الصراعات بشكل مباشر جيوب المواطنين، وحين شعر هؤلاء بأيد خفية تتسلل للجيوب وتهدد الاستقرار المعيشي الذي طالما خدرهم وكل سكان منطقة الخليج بأمنه الزائف.
لقد أتت كارثة وباء كورونا لتعري الأرض المكتسية بالحشائش الصناعية هشة الطبقة في منطقة الخليج، لتظهر وسريعاً السبخات الراكدة أسفلها ولتتجلى المشكلات السياسية والإنسانية، لربما كذلك في كافة دول العالم، التي كانت قابعة أسفل المنظر الأخضر الاصطناعي الجميل.
وعودة للكويت تحديداً، نمر الآن بفترة عاصفة من تقديم استجواب لرئيس الوزراء والذي وقّع على إثره عشرة من النواب على عدم التعاون معه مما قاد إلى تقديم الحكومة استقالتها والتي ستُرفع للقيادة السياسية صباح الثلاثاء. ليست هذه بقصة جديدة مطلقاً على المشهد السياسي الكويتي، إلا أن خلفية المشهد هي الجديدة، مظلمة ومشتعلة ومحملة برزايا سنوات طويلة وبشكل غير مسبوق.
لقد تكشفت في الآونة الأخيرة، والحمد لله على شبه الديمقراطية الكويتية التي كشفتها، قضايا فساد ضخمة وخطيرة، خسر على إثرها الشعب الكويتي مليارات الدنانير، ولقد تطمطمت في الآونة الأخيرة، ولا عزاء لنا في عشائرية وعلاقات مشبوهة وشهوة للمال لا ترويها أنهار الأرض كلها، معظم قضايا الفساد وتسلل أصحابها من أيادي العدالة وأخذوا ذيولهم وأموال الكويتيين في أسنانهم وفروا فراراً، فعلياً ورمزياً، لا عودة فيه.
وما بين أمل في إصلاح ويأس من العدالة، يتأرجح الشعب الكويتي بنفسيات متقلبة وبشعور عارم بالخوف وعدم الاستقرار وفقدان الثقة التام في الحكومة وفي مجريات العدالة وهو يرى ملياراته تفر دون مسيطر أو رادع.
ولم يقف الموضوع حد فرار الأموال، بل تداعى إلى حد تدهور الخدمات والمظاهر الحضارية والترفيهية الداخلية، حتى أصبح الكويتيون يرددون: ألا من بعض الإنتاج مع كل الحرمنة المسيطرة على المشهد؟ في خضم السرقات كلها، ألا تشيدون شيئا بفتات الأموال التي تقع منكم على الطريق؟
ما زلنا كلنا نردد أن حمداً لله على لمحة الديمقراطية التي أفردت لنا مجلس أمة رغم كل أزماته وتناقضاته، إلا أنه سمح لصوت الشعب أن يعلو ولوعي الشعب أن يكون حاضراً في المشهد، ديمقراطية تسمح لنا بنظرة أوضح حتى نعرف ما لنا وما علينا وإلى أين نحن سائرون.
ديمقراطية نختارها وسنبقى نختارها كل يوم عن ضبابية فخمة خادعة لا نجد أنفسنا في خضمها إلا ونحن على حافة هاوية لا نعرف كيف وصلنا إليها ولا كيف نتراجع عن طرفها الحاد الخطير.
ورغم تمسكنا بهذه الديمقراطية إلا أن الحقيقة تبقى أن الشعب الكويتي بأكمله قد أصيب بالإنهاك واقترب من اليأس الخطير، الشعب الكويتي بأكمله يريد تغيير المشهد، بداية من رئيس الوزراء مروراً بالوزراء ووصولاً إلى رئيس مجلس الأمة الذي يتصرف بشكل أقرب إلى وزير منه إلى ممثل أمة.
نحتاج لتغيير قماش مجلس الأمة بأكمله من الأشخاص إلى الكثير من الجوانب الدستورية التي تشكلها وتحكمها، وهذا موضوع مطول معقد. نحتاج لضمائر حية مغمورة بأنانيتها، نعم، مغمورة بأنانيتها التي ستوعز لها أن خلاصها وصلاحها يكمنان في خلاص وصلاح الأمة الكويتية كلها، وأن خرق قاعدة السفينة سيغرق الجميع حتى هؤلاء المحميين بعوامات ضخمة من الحسابات المصرفية الخارجية. إذا غرق البلد، سنموت جميعاً، نفسياً وروحياً وفي الغالب جسدياً، بلا استثناء.
نعم المشهد ليس جديداً، الجديد هو صفاقة التعبير وفي المنطقة الخليجية كلها. التطبيع ليس جديداً، الإعلان والتباهي هما الجديدان، الديكتاتورية ليست جديدة، كشف ممارساتها وملابساتها ومن داخل سفارات الدول المعنية هو الجديد، العنصرية ليست جديدة، وقوف نواب وساسة مروجين لها ومتحدثين برخص بلغة الشارع العاطفية الجاهلة هو الجديد، والفساد ليس جديداً، لكن على عينك يا تاجر هكذا غرفاً من مقدرات البلد ثم هروباً بها دون أدنى تبعات، هو الجديد.. الحزين.