طائفية وأمري لله
نحن في مأزق كبير، مأزق خطير.
وبما أن هذا المقال موضوعه الدكتور حسن جوهر، فبودي أن أدعو الدكتور ليقرأ ليس المقال ولكن التعليقات التي ستذيل صفحته الإلكترونية، ليرى بنفسه، ولا يخفى عليه الوضع، كيف ستتحول الكاتبة «المنعوتة» ليبرالية إلى كاتبة طائفية، يحن دمها «لأصلها» كما يعبر البعض، وعلى الطرف الآخر ستصبح كاتبة مسترزقة، منشقَة عن الصف من أجل مصالح خاصة. هكذا تتشكل الذهنية السياسية في الدولة الدينية التي يتداخل فيها الدين مع السياسة والتشريع، حيث تتكرس مبادئ الطائفية التي تصل بالبلد إلى الانهيار، وها هي البوادر تلتمع في الأفق. إنها الدولة الدينية التي تخندقنا معاً ولو تناقضنا لأنها لا تنظر لأبعد مما يكتب في خانة الدين في شهادة الميلاد، وما تدل عليه أسماء عوائلنا في خانة الأب، هي الدولة التي تحدد موقفك منذ ميلادك وليس بناء على حكمك على المواقف وطبقاً للمبادئ، وهي الدولة التي تفرقنا ولو تجمعنا في يوم على مبدأ، لأنها لا ترى منطقية المبدأ، إلا ذاك الذي يرتبط وثيقاً بتوافق رؤانا و»مصالحنا» الدينية.
اليوم تكشفت مرضية هذه السياسة للدكتور حسن تحديداً، فظهر في مقابلة «الراي» معلناً أن المبدأ فوق الانتماء الطائفي السياسي. وعلى الرغم من أنه تحدث بحس شيعي عاطفي مرتفع، إلا أن المنطق برز خلاباً بين كلمات انتظرناها طويلاً، حديث جريء مباشر مستحق منذ زمن. للأسف يعاني الدكتور حسن اليوم استياء شيعيا متكالبا بسبب وقوفه ضد سياسة رئيس وزراء «متفاهم مع الشيعة» حسب القول المتناثر وبسبب وقوفه في صف نواب لهم مواقف ضد الشيعة، ويا لضيق الرؤية ويا لصغر المنظر. نحن في بلد يؤكد مشرعوه كل يوم من خلال تصريحاتهم وتصويتاتهم أنه ديني إسلامي وليس مدنيا، وكذا تفعل حكومته من خلال تحالفاتها وتنازلاتها وتنفيذها للرؤية المتطرفة لمشرعين لا يستطيعون حتى أن يؤدوا القسم الدستوري «بدستورية»، والدولة الدينية الإسلامية لابد أن يكون لها مذهب، لا يمكن أن تكون إسلامية وتتبع مئة طائفة ونيف منقادة بشرائعهم جميعاً، فهذا من المستحيل إتيانه، وعليه سيعاني أبناء طوائف الأقلية السياسية التمييز ولو بأقل صوره بداهة مثل تدريس أبناء طائفة الأقلية عقيدة طائفة الأكثرية على أنها الحق الخالص، فاستحالة حيادية الحكومة هي ضريبة يدفعها «رعية» الدولة الدينية، لا مفر، لذا بسمو رئيس وزرائنا الحالي أو بغيره، سيستمر التمييز ولو ظهر غير ذلك، فالتمييز هو الوضع «الطبيعي» في الدولة الدينية.
أما الاستياء من الدكتور لاصطفافه مع نواب لهم مواقف ضد الشيعة فهو استياء ساذج لا يمكن أن يحاكي بأي صورة منهجية العمل السياسي، فهو استياء يطلب من «التكتل الشيعي» الوقوف ضد نواب مثل وليد الطبطبائي وفيصل المسلم في أي موقف مهما كانت مبدئيته أو عوائده، ولنا أن نتخيل كيف سيكون العمل السياسي لو سيَره عندٌ وعداء طائفي هذا شكله وهذه درجته.
تعمق الحس الطائفي في حكمنا على الأمور لحد مقزز، حتى أنه عندما «يشذ» البعض ويتخذ موقفا مبدئيا يصبح إما مستنفعا وإما خائنا… إنه الحس الذي تعاونت السلطتان التشريعية والتنفيذية على تقوية أواصره على مدى سنوات مظلمة طويلة نسينا خلالها أن النائب يمثل الأمة جميعاً وليس الطائفة في الأمة، وعليه فإن الدكتور وليد الطبطبائي يمثل الطائفة الشيعية، خذوا نفس أرجوكم، مقدار ما يمثلكم النائب حسن جوهر، وهو مسؤول عن مطالبكم ومُساءَل عن أي تمييز ضدكم ومستحق لنفس الحساب الذي تحاسبون به نوابكم الشيعة، إذا لم يكن أكثر، ولكن… ذاك منهج الدولة الليبرالية المدنية العلمانية التي تحفظ حقوق الناس وحقوق عقائدهم، وتحمي ممارستهم، ونحن دولة دينية، هكذا تريدون، هكذا تعانون… حفظكم الله جميعاً.
«آخر شي»:
ناس تضرب في الشارع وناس تعذب وتموت في السجون والفاعل وزارة الداخلية، من يحمينا إذن إذا كانوا هم من يضرب ويعذّب؟ استقالة السيد وزير الداخلية مستحقة ولكنها ليست كافية مطلقاً، نريد تحقيقا في كل المخالفات الجسيمة الصادرة عن الوزارة عل شيئاً من الشعور بالأمان يعود من جديد.