صورة
هو المنطق ذاته الذي يدور ويعود ليلدغ صاحبه، أن تبتهج لحل مجلس إدارة جمعية الحرية يشابه الفرح بحبس بعض المغردين مثلاً، الفرحة والشماتة في من يختلفون مع توجهك لن تحمياك من أن يلتف التعسف ذاته على رقبتك ليخنقك، إلا أن هذا ديدن الناس عموماً، لا نستشعر الأسى حتى يصل إلى بابنا، ولا نصرخ في وجه الظلم إلا إذا فح في وجهنا، قليل منا من “يقص الحق من نفسه” ويعدل حين لا يكون الموضوع على هواه.
لكن أن يسعى نائب مجلس أمة ليطغى على حق وليخرس صوتا، هذا هو الذي يجب ألا نتوقعه وفي حال حدوثه يجب ألا نقبله، لكننا في بلدنا الصغير هذا بتنا نتوقع كل شيء ونقبل بغير المعقول وغير المقبول وغير المنطقي. رياض العدساني كتب قبل سنة أنه “إذا قامت الحكومة بإغلاق أي جمعية نفع عام أو سحبت ترخيصها دون “حكم قضائي” سيعرضها للمساءلة”، وكتب هذه الأيام يبشر “صدور قرار حل جمعية الحرية “الليبرالية” حول مخالفتها للقانون ولكي تكون عبرة لغيرها، ولن نقبل الإساءة للدين الإسلامي”. هل بات الإغلاق أو حل مجلس الإدارة أو سحب الترخيص اليوم مسموحاً بل ومستحباً دون أي حكم قضائي وبسبب أحكام شخصية من الناس بأن واقعة ما تعتبر إساءة للدين الإسلامي؟ من الذي يحكم بوقوع إساءة؟ من الذي يحق له تنفيذ سحب الترخيص أو حل مجلس الإدارة؟
النائب محمد هايف يشكر رياض العدساني على “تويتر”: “على غيرته وإصراره على محاسبة ومعاقبة من يطعن ويسيء للشريعة الغراء”، أين هو أي ذكر للمخالفات القانونية؟ هل يملك رياض أن يحاسب ثم يعاقب؟ كيف يطالب نائب مجلس أمة بإقالة عضو في مجلس إدارة جمعية في حين أن الوزارة لا يحق لها التدخل أو إقالة أي عضو؟ في الواقع، وصلني من بعض أعضاء جمعية الحرية أنهم راسلوا الوزارة يسألونها عن الإجراء المفترض حيث أكدت الوزارة أنهم لا يستطيعون اتخاذ إجراء دون حكم نافذ، فما الذي حصل؟ المغرد صاحب التغريدة الاستشكالية هو عضو كذلك في عدد من الجمعيات الأخرى على حد علمي، فلم يتم حلها ومحاسبتها؟ وهل تكفي تغريدة من عضو في مؤسسة ما لهدم المؤسسة بأكملها أو لحل مجلس إدارتها؟ على ذلك كل من ابتغى شراً بجمعية أو تجمع، يزحف إلى أن يصبح عضواً معهم، ثم يكتب تغريدة رنانة ليهدم المعبد على رؤوسهم، أي توجه هذا وأية إجراءات وأي خلط وأي تعسف وأي غرابة؟
كان رياض صوتاً جديداً مبشراً، صوتاً شبابياً توقعناه آتياً بمنطق جديد متحرر من فكرة التشفي والانتقام وتحقيق الأهداف بلي الأذرعة واستدرار مشاعر الناس وإثارة مخاوفهم على دينهم، توقعنا شيئا جديدا في زمن جديد، لكن الصوت الشبابي شاب قبل أوانه، وفكرة الصعود على سلم الدفاع عن الدين عادت لتكتسح العقل والمنطق والقانون، فهي أسهل وأسرع وبكل تأكيد ألذ طعماً بكل ما تحشده من تهليل وتصفيق. أصوات الشباب كانت ذات يوم مصدر أمل جديد لنا، إلا أننا ما رأينا سوى تجدد الخطاب القديم ذاته وعودة المفردات ذاتها، بل تطابق تعابير الوجه ذاتها وتردد الصراخ ذاته في جلسات المجلس وتكرار الطرق الخطابية الاستعراضية ذاتها التي توقعناها تذهب بلا عودة، فيا لها من خسارة.
ليتم حل مجلس إدارة جمعية الحرية، ليست أول باب حرية يغلق في بلدنا الصغير، ولكن “لنصنع” الأسباب ولنعط فرصة لتغطية الموضوع بغطاء قانوني وحكم محكمة حفاظاً على ماء الوجه. نحن الدولة الوحيدة في الخليج ذات ديمقراطية “حقيقية” وبرلمان فاعل، ونحن نتمنى استمرار هذه الصورة، ولو كانت مجرد صورة.