صنع ايادينا
في معظم ما قرأت حول حادثة الإرهاب الداخلي الأخيرة لمقتل المواطن محمد الميموني تعذيباً في السجن، تراكم اللوم والغضب تجاه الحكومة بسبب نهجها العنيف، اللادستوري واللاحقوقي المتبع أخيراً، وقد لفتني تحديداً ما كتبه الزميل الكبير عبداللطيف الدعيج في «قبس» 16 يناير أن «الأجهزة الأمنية والمسؤولين عن الوفاة كانوا يريدون تحقير المواطن للتقليل من أهمية الجريمة وخلق ظروف وتهيئة الجو لتقبلها لدى أعضاء مجلس الأمة والرأي العام. المؤسف أن أحداً في مجلس الأمة لم يوقف الوزير عند حده، وأحداً لم ينبهه إلى خطورة ورعونة ما يطرح. طبعاً السبب هنا واضح وهو أننا جميعا لدينا هذه النظرة الدونية للمتهمين وأصحاب السوابق، وأننا جميعا نحكم وفقاً لأهوائنا وخبراتنا السابقة وليس وفقاً للقوانين والوقائع». انطلاقاً من كلمات الدعيج أعتقد أن المشكلة تتعدى الدائرة الضيقة للأداء الحكومي أو «النظرة الدونية للمتهمين وأصحاب السوابق» إلى الدائرة الأوسع للمنطق الفكري المنتشر بين الشعب الكويتي، والذي ينطوي على نظرة دونية لكل من نختلف معهم.
فقراءة موضوعية لردود الفعل على الأحداث الأخيرة توضح أن المعظم يتجه للتشفي واستحسان العنف مع من يختلفون معهم في الرأي أو التصرف، فمجرد الاختلاف يبيح العنف تحت ثلاث كلمات قميئة تغثيني كلما سمعت بها «زين يسوون فيهم». فلأننا نختلف نهجاً مع رواد ديوانية الدكتور الحربش ومع ما قاله الدكتور الوسمي: «زين يسوون فيهم»، ولأننا نختلف إيديولوجياً مع الدكتور فيصل المسلم: «زين يسوون فيه»، ولأننا نختلف مع الكاتب محمد الجاسم رأياً، يكون التعقيب على تصفيده وربطه لسريره في المستشفى «زين يسوون فيه»، وخذ على هذا المنوال في تعاملنا مع كل ما يواجهنا.
يحدث هذا بسبب افتقارنا إلى أوليات ثقافة حقوق الإنسان التي تتطلب تدريباً مكثفاً لإعلاء المبدأ على الشعور الشخصي، فالحق في إبداء الرأي والشعور بالأمان وضمان الخصوصية وحرية اعتناق أي عقيدة وحرية ممارسة الحياة بأي صورة ومنهجية دون خرق لقوانين البلد، والتي يجب أن تُبنى بأكبر قدر من المطاطية لتشمل أكبر عدد من الفئات المختلفة من البشر، كل تلك حقوق يجب أن تكون مصانة حد التقديس ضد أهوائنا ورغباتنا وتوجهاتنا المختلفة، ولكن، لأننا غالباً نقاد بمشاعرنا، تتجه وزارة الداخلية في الحدث الأخير للعب على هذا الوتر الهش الرقيق، فيكفي أن يلصق اسم القتيل بخمور وفجور حقاً أو باطلاً، وهنا من الواضح أن الموضوع باطل من أصله، حتى يستحسن الشعب عنف رجال الأمن مطلقين واحدة من «زين يسوون فيه» تجاه الفقيد. هذه المرة، لم تأتِ ردة الفعل بالقوة التي أرادتها الوزارة، فتلاحق أعمال العنف، وتلاحق أنفاس المواطنين بسبب اقتراب العنف منهم شخصياً بشكل غير مسبوق أديا لصحوة، علّها غير مؤقتة، جعلتنا جميعاً نعي أن لكل منا ذنوبه، لا أحد معصوماً، وإذا ما أعلينا الشعور الخاص تجاه ما نعتقده «خطأ»، فوق الحقوق الإنسانية فإننا نسلم السكين للحام، والدور قادم على كل منا بلا استثناء.
لماذا نحتاج الى هذا القدر من «الفقد البشع» حتى نصحو في هذا الشرق الأوسط؟ هل يجب أن يحترق إنسانٌ علناً ويموت آخر تعذيباً ويُغتال ثالث ويضرب رابع ويسحل خامس حتى نعي ونفهم ونخشى؟ إلى متى نبقى لعبة في يد الكبار؟ «كُوكنا» من صنعنا بأنفسنا، وما عليهم سوى أن يديروا «الكوك» ليشحنوننا بمشاعرنا البدائية، لنهبط بأحذيتنا على المبادئ والحقوق في تجاوب وحشي مع رغباتنا الداخلية ومشاعرنا المعزولة عن مبادئ تشذبها وتروضها. الوزارة يديرها بشر، منا وفينا، وهم يبيعون سياساتهم لنا، ونحن المسؤولون في النهاية عما استمر عقوداً طويلة بمباركة قبولنا وصمتنا، فمتى نتحمل شيئاً من المسؤولية؟