شد الحبل
سأخبركم شيئاً حكومتنا الموقرة وأنا أعلم أن قولي ليس له عظيم القيمة عندكم، ليس له أي قيمة عندكم في الواقع، فالعلاقة بيننا هي علاقة من طرف واحد، أنا لا أودكم كثيراً وأنتم لا تبالون بي مطلقاً، أنا أحمل لكم مشاعر الريبة وأنتم لا تعلمون بوجودي أصلاً، لست على رادار الأهمية من الأساس، أعلم ذلك، ووفرت عليكم قوله إن وقعت عينا أحدكم العليتين على هذا المقال.
أيتها الحكومة الكريمة والسلطة الموقرة، لقد ساءت الأحوال كثيراً مؤخراً وما فعلت الانتخابات الأخيرة إلا أن عمقت الهوة وأكدت المشكلة. خرجنا جميعاً من هذه الانتخابات منهكين، وكأننا نجري خلف بعضنا البعض، شعور مؤذ بأن هناك من يتصيدنا، هناك من يحاول سلب القليل من الديمقراطية التي أوهمنا أنفسنا بامتلاكها، كنا باستمرار في حالة ترقب مصحوبة بغضب وشعور جارف بانعدام الثقة. انزلوا للشارع، اذهبوا لأحد المجمعات التجارية، اختاروا مقهى ثم اختاروا طاولة عشوائياً، ثم تبسموا للجلوس على الطاولة واسألوهم أن ما رأيهم بالانتخابات؟ ما هو شعورهم وهم يمارسون حقهم الديمقراطي؟ أضمن لكم أيها السادة الأكارم أنكم وبنسبة تسعين في المئة ستسمعون كلاماً سلبياً يعبر عن فقدان الأمل، ستتلقى آذان سموكم وسعاداتكم كلمات مثل “ما في فايدة، كل هذه لعبة، ما راح يكمل مدته، اللي يبونه ينجحونه”، وغيرها من الجمل التي تدل على أن هذا الحراك الديمقراطي، فخر الممارسة الكويتية، قد تحول في أذهان شعبكم إلى لعبة غير متكافئة من شد الحبل، الشعب في جهة، وسموكم وسعاداتكم في جهة، ورقة عليها علامة صح من جهة، وأموال وعلاقات مؤامرات وأقطاب وأتباع من جهة، أي فرصة لهذا الشعب وأي أمل له أن يتعلق به؟
الآن لا يخفى عليكم دوران إشاعات مصحوبة بفيديوات حول تزوير في الانتخابات، كما كانت فيديوات الفرعيات وإشاعات الشراء تدور إبان العملية الانتخابية، ولا يخفى علينا أنكم ستعاملون إشاعة التزوير كما عاملتم جرائم الفرعيات، بالتعالي واللامبالاة، لأننا شعب السمكة “دوري” ننسى الصفعة والبصقة سريعاً بعد وقوعهما على وجوهنا. لكنني أود أن أقول لكم أن شيئاً ما يختلف هذه المرة عن كل مرة، الصفعة أقوى والبصقة أثقل، الريبة مسيطرة والغضب ينفخ خيط دخانه الرفيع من تحت جمره نصف النائم. وصلنا مرحلة استخفاف، استهزاء، طعن، تشكيك، ومنا نحن الشعب، بممارستنا الديمقراطية التي طالما تشدقنا بها. لربما هذا هو هدفكم، لربما تلك هي الغاية التي بررت كل الوسائل، لكنني أخبركم أن الناتج مؤذ والقادم مرعب وإذا استمرت الحال على هذا المنوال فأنتم تدفعوننا جميعاً في نفق لا ضوء في نهايته.
الأجيال تتجدد، الفكر يتجدد، جيل اليوم لم يعد هو جيل السمع والطاعة، حديث اليوم ما عاد هو حديث الأمس، إيمانيات اليوم الديمقراطية ما عادت هي إيمانيات الأمس. انفتح الشباب على العالم، عرفوا كيف تعيش الديمقراطيات الحقيقية، لذا ما عادت الصورة المنمقة الزائفة التي تقدمونها كافية لتحجب أبصارهم عن الحقيقة. لا شيء يدلل على حجم الكارثة أكثر من أن هذا اليأس وذاك الغضب والنفور وانعدام الثقة والكفر بالدستور وبرلمانه أضحت مصاحبة حتى لأقرب المقربين إليكم، ممن كنا نعدهم حكوميين، من هؤلاء الذين كنتم تعتقدونهم صوتكم في الشارع، من تلك الطبقة التي تضاهيكم راحة مادية والتي كانت راحتها واعزاً لها على التلاقي معكم، اليوم حتى هم خطابهم تغير، يأسهم استتب، نفورهم ارتفع. حلفاء اليوم غير حلفاء الأمس، تجار اليوم غير تجار الأمس، شباب اليوم غير شباب الأمس، اللعبة خطيرة وأخطر ما فيها هي تلك اللامبالاة والتعالي والتجاهل التي تعاملون بها شعبكم، آلامه، شكواه، غضبه، شكوكه وريبته. ما عادت قصة “اسكت عنهم كم يوم ينسون” تنفع، فقد تماديتم حتى أصبح الشك واقعنا الدائم واليقين والراحة هما الاستثناء. كلنا، مشاركين ومقاطعين، ليس لدينا الكثير من الإيجابية، ليس لدينا الكثير من الأمل، نملك الكثير من الشكوك والارتياب والتوجس، نملك درجات عليا من الإيمان بالتآمر علينا وبأننا بلا حول أو قوة أمام قواكم وسلطتكم وأموالكم وأقطابكم، لكن عدا ذلك، نحن شعب أصبجنا بلا إيمان.