سيكوبات
الاغتيال أسلوب الحقراء الجبناء، فلا عجب أن يكون هو أسلوب إسرائيل الصهيونية ورئيسها الذي يملأ الإعلام الإسرائيلي الآن بمقطع مصور له وهو يضع نظارته على وجهه ناطقاً «نتنياهو، بنيامين نتنياهو» في استجرار لجملة جيمس بوند الشهيرة في أفلامه، التي يقدم بها نفسه: «بوند، جيمس بوند». يصور نتنياهو نفسه الآن على أنه «بوند» المرحلة، ولربما هذا مما يليق به، قاتل مأجور، زير نساء، جاسوس خبيث.
ولقد كان من المتوقع أن يقوم نتنياهو بعمل جديد فاحش بعد فحش التصفيق له في واشنطن، فهذا التصفيق المطول الممتد، على الرغم من بساطة أدائه وانكشاف معناه، كان له أثر عميق في تقوية شوكة الإجرام. فحين يكون هناك تصفيق وتهليل ممتدان في الكونغرس الأمريكي لمجرم حرب، يكون ذلك بمثابة ضوء أخضر لكل تحرك قادم مهما بلغ رخصه ووضاعته. وهكذا كان..
ترى كيف يبرر الساسة الغربيون المؤيدون للكيان الصهيوني فعل الاغتيال هذا أمام أنفسهم قبل العالم أجمع؟ كيف يفككون فعل الفجور في الخصومة، هذا الذي يعد أرخص وأوضع وأحقر أنواع الصراع؟ ما يفعلون بمبادئ السلام وقيم الحق والعدالة وقواعد الحرب الممتدة من القانون الدولي الإنساني، الذي وضعته أياديهم هم بحد ذاتهم، والذي يدين كل فعل يُقدِم عليه كيانهم المشوه ومسمارهم الحقير الذي زرعوه في قلب العالم العربي لخمسة وسبعين سنة وتزيد؟
ترى ما تقول الأنظمة العربية خلف الأبواب المغلقة؟ كيف تقيّم بعضها «سلامها» وتطبيعها مع الكيان الدموي الذي لا يزال يحارب بأرخص أساليب ثمانينيات القرن الماضي من خلال الاغتيالات والتفجيرات والاختطافات وكأنه أكبر عصابة في العالم، وهو كذلك فعلاً؟ كيف تتم «المباحثات» وتستتب «المشاورات» وتُفتح الجسور الجوية وتُرسل المؤن وتُمرر القوات الحربية وقد صعّد «الأصدقاء الجدد» مشهد نحر الأطفال وتفجير المدنيين واغتيال الصحافيين واغتصاب وتعذيب الأسرى من نساء ورجال وتجويع المدنيين وملاحقتهم تفجيراً في مراكز الإيواء والمستشفيات، ثم الاحتفاء الفاجر لجنودهم المأجورين بكل ذلك على وسائل التواصل، كيف صعد هؤلاء النازيون الجدد فوق هذا المشهد، وما تصورنا إمكانية التصعيد فوق هذا المشهد، باغتيال أحد أهم قيادي المقاومة ورئيس مكتبها السياسي في استعراض وقح للامبالاة إسرائيل ولتحديها لكل قانون دولي وإنساني وحقوقي، ولاحتقارها لكل حكم محكمة، وكأنها تقول لكل حكومات العالم «أعلى ما في خيلكم اركبوه»، وكأنها تلوح بإشارة قذرة لكل شعوب العالم المحتجة المعتصمة المتظاهرة من أجل الحق والعدالة وحماية الأطفال؟
كل اعتداء وجرم وإرهاب ادعته إسرائيل على الفلسطينيين قامت هي حقيقة بارتكابه في حقهم بكل فُجر ووقاحة. من غرائب ومواجع المفارقات أن تباكت إسرائيل كذباً وزوراً وبهتاناً على قطع رؤوس أطفالهم في يوم السابع من أكتوبر، ليكتشف العالم بشاعة الكذبة، ولتنطلق إسرائيل في تطبيق ما تباكت عليه كذباً، إمعاناً في قطع رؤوس الأطفال الفلسطينيين حتى أصبح مشهد الأطفال الذين بلا رؤوس مكرراً معتاداً، منظر الآباء والأمهات الحاملين لأشلاء الأبناء، رؤوساً بلا أجساد أو أجساداً بلا رؤوس، حقيقياً متجلياً. تدعي إسرائيل أن حماس تعتدي وتغتال، ثم تقوم هي بأكبر عملية اغتيال في القرن الحالي، بل ويلمح ذبابها تباهياً بتنفيذها لاغتيالات سابقة رهيبة كاغتيال الرئيس الإيراني الراحل. تصر إسرائيل على كذبة بناء حماس للأنفاق أسفل المستشفيات واختبائهم خلف المدنيين، فيما مدنيّوهم في الواقع معظمهم جيش متنكر، «من برة» أشخاص عاديون و»لاعبون رياضيون» يشاركون في الأولمبياد، و»من الداخل» كلهم تقريباً مجندون في الجيش، قَتلة خلف أقنعة المدنية.
كل بشاعة ادعتها إسرائيل طبقتها لاحقاً، كيان مريض مشوه سيكوباتي يستمتع بتخيل أبشع السلوكيات وأفظع الجرائم وأحقر صور التعذيب والتنكيل والصراع الإجرامي الفاجر، ليدعيه تلفيقاً على خصمه صاحب الحق والأرض، ثم ليقوم بتنفيذه حرفياً على هذا الخِصم بلا أي مشاعر ندم أو تأنيب ضمير أو حتى إحراج تجاه العالم الذي يشهد جرائمه. أي كيان مريض موبوء مشوه مزروع في عالمنا؟ بأي وجه سيدفع عن سيكوباتيته ويطبِّع معه ويتعامل وإياه من سيفعل؟
رحم الله إسماعيل هنية، وجمعه وأسرته التي رحلت بمجملها قبله، وألهم قلوبنا وعقولنا جميعاً الصبر والفكر والإحساس، وبعض الحرج، وشيئاً من الخجل وقليلاً من الغضب، قليله فقط.