سبعة أيام
أسبوع واحد في السيارة المتواضعة «عيشني» صراعا يوميا في الشارع، أذاقني مرار التعدي والنظرة الدونية، أعلمني أن كم نحن سطحيون، كم نحن مظهريون، كم نحن عنصريون. لسنا جميعاً هكذا بالطبع، ولكنه مؤخراً وضع ساد حتى أصبح ظاهرة، وخصوصاً مع تدني مستوى الخدمات وارتفاع الضغط عليها اللذين ولّدا نفوراً وقسوة تجاه غير الكويتيين.
منذ أسبوع تقريباً بدأت أشعر بشيء غريب غير مألوف في الشوارع أثناء قيادتي للسيارة، شعور انتابني بارتفاع في درجة العنف والقسوة، بدا سائقو السيارات أكثر غلظة، أقل احتراماً، أدنى درجة في إفساح الطريق، أكثر حدة في الالتفاف حول سيارتي أو في تجاوزي أو في تخطي دوري. ما فهمت بالضبط السبب، بدا لي أن الكويت بسائقي سياراتها قد انقلبوا عليّ إثماً وعدواناً، حتى أتت القشة الأخيرة عندما كنت أقود سيارتي على شارع الخليج مقبلة الهوينى على إحدى الإشارات، خففت سرعتي وتوقفت على الضوء الأصفر للإشارة لأشاهد سيارة مقبلة خلفي باندفاع كبير، مما دفعني للتحرك يميناً لأتفاداها. وضعت الشابة خلف المقود يدها على بوق سيارتها بغضب لم أفهمه، فقد كنت أنتظر شكراً وعرفاناً أن ساعدتها في تفادي حادث كانت هي المخطئة فيه تماماً. ما إن لوح لنا الضوء الأخضر بالتحرك، حتى تجاوزتني الشابة المحجبة بجاكيتها الأبيض المعلق على المقعد المجاور والذي بدا كجاكيت الأطباء، ملوحة لي بكل وضوح وعلى مرأى الجميع بإشارة خارجة تركتني مذهولة تماماً.
فكرت كثيراً فيما يمكن أن يكون قد تغير في هذا الأسبوع والذي قلب الكويت بشوارعها عليّ، فأنا كما أنا والشوارع التي أجوبها كما هي، بقي شيء، هو الوحيد الذي تغير، إنها سيارتي. أقود هذه الفترة سيارة صغيرة متواضعة، هي سيارة سائق والدي الذي تعطف عليّ بها لحين خروج سيارتي من ورشة التصليح. هل يعقل أن تكون هذه السيارة اللطيفة الصغيرة، متينة الصنع شديدة التحمل متواضعة الجمال والطبقة الاجتماعية هي السبب؟ هل يمكن أن صنفني الناس بشكل جعلهم يعتقدون أن هذه الفظاظة وهذا التعدي وتلك الإهانات مقبولة مستحقة على اعتبار أنني من “الطبقة” أو “الجنسية” التي تقود هذا النوع من السيارات؟
ليس الموضوع موضوع مشاعري المجروحة ولا أعصابي المتوترة بالطبع، الموضوع موضوع شعب كامل ومزاج عام وأخلاق سائدة، هو موضوع ضيوفنا في الكويت، من العامل البسيط إلى المعلم الجليل إلى بقية القادمين للعمل عندنا من الطبقة الفقيرة والمتوسطة، هل يعيشون هذه المعاناة يومياً؟ هل يستشعرون هذا الفرق، ويتذوقون التمييز المر في المعاملة كونهم ليسوا مواطنين ولأنهم ليسوا ميسورين؟ أسبوع واحد في السيارة المتواضعة عيشني صراعا يوميا في الشارع، أذاقني مرار التعدي والنظرة الدونية، أعلمني أن كم نحن سطحيون، كم نحن مظهريون، كم نحن عنصريون. لسنا جميعاً هكذا بالطبع، ولكنه مؤخراً وضع ساد حتى أصبح ظاهرة، وخصوصاً مع تدني مستوى الخدمات وارتفاع الضغط عليها اللذين ولّدا نفوراً وقسوة تجاه غير الكويتيين، ورفعا نسبة الغضب وصورة التعبير عنه بين الكويتيين، الكويتيين الذين طالما كانوا أهل كرم، والذين عاشوا جل حياتهم أقلية بين ضيوفهم الكرام، ضيوف خدموهم وبنوا البلد معهم، من أقل عامل نظافة إلى أعلى مستشار في الدولة. اليوم تغيرت الحال، غلظت القلوب وتدهورت الأخلاق واستتبت الكراهية، حتى أن شابة صغيرة بحجاب يشير لورعها وجاكيت يدلل على دورها كملاك رحمة لم تتورع أن تنحدر بنفسها في الشارع العام انتقاماً من “غريبة فقيرة” ما تعدت الإشارة الصفراء فأخرتها بضع دقائق إضافية.
ما تذوقت أنا إلا من طرف طبق كبير، يأكل منه ضيوفنا كل يوم، فهل نحن شعب يكرم ضيوفه سماً؟