سبحان الله
هات خلينا نشوف، البدون معضلة في الكويت لا أحد لديه وقت لها، لا أولوية لموضوعها، فلدينا مما يؤرقنا الكثير، أسعار البنزين وطوابير المستوصفات وزحمة المطار وأنت صاعد، لذا فمشكلة البدون من النوع الذي يجب أن يحل نفسه بنفسه، أو من النوع المفترض أن يختفي إذا ما توقفنا عن الحديث عنه أو الاعتراف به. دعونا جميعاً نتصرف كأن البدون غير موجودين يمكن أن يختفوا، أو، نتبع الأسلوب الحكومي “للتخلص منهم” لربما هو الأنجع؟
إليكم الأسلوب الحكومي، نضيق عليهم، نمنع صرف وتجديد بطاقاتهم بحجة القيود الأمنية التي توزع عليهم بلا تبريرات أو إثباتات، وبالتالي نمنع عنهم جوازات السفر مادة 17 التي يمكنها أن تخرجهم خارج البلاد وذلك حتى نتخلص منهم، وتلك حكمة لا يراها سوى الجهاز المركزي، سبحان الله. ممكن كذلك أن نضيق على من تم استخراج بطاقة له من خلال إجباره على التوقيع على تعهد، قبل حتى أن يرى بطاقته، يقول بصحة كل ما جاء في تلك البطاقة، بحيث ندس فيها مؤشر جنسية أو تعهد من حامل البطاقة بإظهار جنسيته أو تعديل وضعه أو غيرها، حتى إذا ما استلمها يصبح أمام أمر واقع، فإن لم يستطع إيفاء الشرط مع التجديد القادم، لا تصرف له بطاقة مجددة. مع الوقت سيقل عدد حملة البطاقات بشكل كبير، ومن ثم يقل عدد حملة الجوازات الذين يمكنهم مغادرة البلد، ومن ثم يقل عدد القادرين على العمل لإعالة أسرهم، ومن ثم يقل عدد القادرين على إدراج أبنائهم في المدارس، ومن ثم يزيد عدد المرضى غير القادرين على تلقي العلاج، ومن ثم ترتفع أعداد الموتى قهراً ومرضاً وانتحاراً، فنتخلص من البدون ويا دار ما دخلك شر. هي فكرة!
أنا عاطفية، أنا ساذجة، لا أفقه شيئاً من الأساليب الحكومية الرشيدة، إذاً هل يمكن أن يتكرم عليّ كريم بالتفسير؟ تمنع استخراج البطاقة، وبالتالي تمنع استخراج الجواز وبالتالي تسد كل مرافق الحياة، لا عمل ولا تعليم ولا طبابة ولا امتلاك ولو حتى لتلفون نقال، ثم المطلوب من هذا البدون أن يعدل وضعه، طيب كيف؟ ألا يحتاج إلى تعديل الوضع للوصول إلى دولة أخرى والإقامة فيها للتحصل على جنسيتها؟ كيف يعدل وضعه وهو في البلد هنا؟ يشتري جوازا مزورا حسب نصائحكم سابقاً؟ هذه الفكرة نجحت بإعجاز ما شاء الله، والدليل أن لدينا بدون البدون الآن، أصحاب جوازات مزورة انتهت صلاحية الجوازات التي حرضتهم أنتم يا حكومة على شرائها، الآن لا هم من جوازاتهم المزورة ولا هم من وضعهم كبدون، هم بدون البدون، كائنات هلامية لا مكان لها على أرض الواقع. أحد يفهمني، كيف حلت المشكلة؟
يا ناس، يا عالم، يا عقل، يا منطق، لا بطاقة ولا جواز، لا علم، لا طبابة، لا عمل، ممنوع تسافر، وممنوع تعمل في البلد، ممنوع تخرج وممنوع تبقى، ممنوع تعيش وممنوع تموت، ما هو المطلوب بالضبط؟ كيف تريدون التخلص من بدون لا شهادة لديه ولا حرفة ولا ورقة ولا مبلغ ماليا ولا حتى جواز سفر يعينه أن يلجأ إلى مكان آخر ليبدأ فيه حياة جديدة؟ ما هي فاعلية حل منع تجديد البطاقات ومنع استصدار الجوازات القائم منذ مدة والذي بلغ مراحله القصوى اليوم؟ كيف “خلصتنا” هذه التدابير من البدون؟ كيف يخلصك منع استصدار جواز سفر من إنسان كل خلاصك منه هو أن يغادرك، أن يسافر؟ هل رفض إصدار البطاقة يعني مسح الفرد من الوجود؟ هل رفض إصدار الجواز نجح في إرسال البدون الى “بلدانهم الأًصلية” التي تزعم الحكومة انتسابهم إليها؟ هل يمكن أن ترسل أحداً لبلد آخر بدون جواز أًصلاً؟ هل رفض إصدار البطاقة نجح في إجبار أحد على إظهار الجوازات والجنسيات الخفية المزعومة؟ هل نتج حل جذري بعد ثلاثين سنة وتزيد من قمع الناس وإذلالهم؟ تمنع الناس البطاقة التي تسير حياتهم، وبالتالي تمنع عنهم التعليم والطبابة والعمل وكل طريق رئيسي في الحياة وترفض أن تعطيهم جوازا يغادرون به؟ ماذا يفعلون؟ يطيرون بالليل أم ينقلون أنفسهم بأشعر الليزر لمكان آخر؟ أفهموني لربما أنا لا أفهم.