«زنقة»
أعلم أن لا أحد لديه الوقت أو المساحة النفسية لموضوعي، مشاغل الحياة اليومية والصعوبات، الظروف الإقليمية، الفساد، خلافات الأقطاب، النفور السائد تجاه غير الكويتيين عموماً، ارتفاع نبرة العنصرية والتوجه لعزل “الغرباء”، الانشغال بكراهية هذه الجنسية أو تلك والتهكم عليهم وكتابة النكت المتواترة حولهم، هذا غير، ويا للغرابة والتناقض، العمل من أجل الآخرة والتحضير ليوم الحساب، كلها تأخذ وقت الشعب وتصعب وصول المواضيع “الهامشية” للناس. لكن، وبما عرف عني من عناد غبي، سأحكي لكم رواية جديدة من موضوعي الهامشي، إن لم يكن تعريفاً بما يدور على أرض الإنسانية واستجداءً لنخوة أهل هذه الأرض المهتمين جداً بالتحضير للآخرة ومرضاة رب العالمين، فعلى الأقل من أجل الترفيه والتسلية.
سالم، مجازاً، هو رب أسرة بدون وعائل لتسعة أشخاص، سالم حاصل على شهادة جامعية وحامل لإحصاء 65 ولديه بصمة وراثية، وأبوه وجده كلهم كانوا يعيشون على أرض الكويت، حتى أن والده يملك أوراقا تثبت عمله منذ سنة 1956 على أرض الوطن. منذ أشهر ذهب سالم للجهاز المركزي لتجديد بطاقته الأمنية، وطبعاً فوجئ بطلب توقيعه على إقرار بصحة معلومات البطاقة قبل أن يرى البطاقة، وهو الإجراء المخادع المتبع مؤخراً. رفض سالم وغادر متوجهاً لقصر نايف ليحاول حل الموضوع مع السيد الفضالة، هناك تبين أن أوراقه تضع عليه مؤشر جنسية عراقية، وأنه ملزم بالتوقيع مقراً بذلك حتى يتسنى له الحصول على بطاقته، سالم ليس له علاقة بالعراق من قريب أو بعيد، وعليه فقد رفض وترك بطاقته عند الجهاز مسلماً أمره لله.
بعدها بأيام، أخذ سالم ابنه ذا العشر سنوات للمستوصف للعلاج، حيث يحمل الابن بطاقة صالحة، ما إن أدخل موظفو المستوصف معلومات الطفل في الجهاز، حتى وجدوا شرطاً على الأب أن يوقع إقراراً بعراقيته ليتمكن من إدخال ابنه للعلاج. ثار سالم: لم أوقع أصلا على أنني عراقي، لم أستلم بطاقتي، ابني بطاقته صالحة أصلاً فما علاقته بالشرط الموضوع على تجديد بطاقتي؟ اتضح أن شرط التوقيع هذا دار بسرعة خارقة، شهادة على كفاءة حكومتنا الإلكترونية فقط في نكب الناس، على كل جهات الدولة وذلك على سالم وأبنائه جميعاً، حتى أن سالم لم يستطع استخراج شهادة ميلاد لصغيره ذي التسعة أشهر والجاهزة للتسليم إلا إذا رضخ للشرط ذاته، الذي وصل كل “زنقة” إلكترونية حكومية، بتوقيع ورقة تقر بأنه عراقي الجنسية.
ليس هناك جهة يستطيع سالم فعلياً أن يحتكم إليها، ليس هناك أي طريق طبيعي مدني لممارسة حياته سوى أن يقر بأنه عراقي ولو لم يكن، ولو لم ير العراق في حياته كلها. حياة الأسرة كلها متوقفة الآن، لكن هذا موضوع هامشي، إن شاء الله يكون الجميع مستمتعين بالمباريات الرائعة، وتقبل الله من الجميع حسن الأعمال وأوردنا الجنة أجمعين.